فى ارقام مقلقة، أفاد تقرير أخير للمفوضية السامية لشئون اللاجئين لعام 2022، بأن العالم يشهد أعلى مستويات مسجلة للنزوح القسرى، حيث وصلت أعداد اللاجئين وطالبى اللجوء والنازحين داخليا على المستوى العالمى الى ما يزيد على 103 ملايين شخص وفق التقديرات الأخيرة.
على المستوى الافريقى، يعد السودان من أكبر الدول المستضيفة للاجئين، حيث تستضيف 1.1 مليون لاجئ وطالب لجوء من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والتشاد وسوريا واليمن ودول أخرى، هذا فضلا عن وصول عدد النازحين داخلياً فيها جراء الحروب الأهلية والتوترات القبلية لنحو 3.2 مليون نازح داخلى، قبل اندلاع الأزمة السودانية الأخيرة.
مع اندلاع الأزمة فى 15 إبريل الماضى، أدى التدهور المتسارع للوضع الأمنى والإنسانى فى مناطق مختلفة من السودان، وعلى رأسها الخرطوم ودارفور، إلى ارتفاع أعداد الفارين من أعمال العنف فى البلد عبر الحدود السودانية من الدول المختلفة، إلى جانب زيادة عدد النازحين داخليا، ومن بينهم اللاجئون وطالبو اللجوء من دول أخرى. وقد وصل عدد النازحين داخليا، وفقا للتقارير الأخيرة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، إلى أكثر من 3 ملايين شخص، 2.2 مليون منهم من ولاية الخرطوم. كما فرّ نحو 880 ألف شخص عبر حدود السودان إلى دول الجوار، بما فى ذلك جمهورية إفريقيا الوسطى (17٫746)، وتشاد (348٫306)، ومصر (279٫230)، وإثيوبيا (31٫540)، وجنوب السودان (207٫575).فى محاولة لاحتواء هذا الوضع الانسانى، أطلقت المفوضية السامية لشئون اللاجئين خطة الاستجابة الإقليمية للسودان ودول الجوار فى 17 مايو 2023. كما عقد المؤتمر رفيع المستوى لدعم الاستجابة الإنسانية فى السودان والمنطقة فى 19 يونيو، بتنظيم مشترك من مصر والمملكة العربية السعودية وقطر وألمانيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقى، واستضافت مصر قمة دول جوار السودان فى 13 يوليو 2023. على صعيد آخر، أصدرت المفوضية السامية لشئون اللاجئين تقريرا حول الموقف من العودة إلى السودان، دعت فيه كل الدول وقف إجراءات الإعادة القسرية للسودانيين أو عديمى الجنسية من قاطنى السودان، بما يتضمن الأفراد الذين تم رفض طلباتهم للحماية الدولية. قدرت المفوضية أن الأشخاص الفارين من النزاع الجارى فى السودان، وكذا المواطنون الموجودون خارج السودان والذين لا يستطيعون العودة إلى البلد نتيجة للوضع الراهن، يمكن تصنيفهم باعتبارهم فى حاجة إلى الحماية الدولية، وذلك وفقا للمادة الأولى (2) من اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية للاجئين لعام 1969، وإعلان قرطاجنة للاجئين لعام 1984، وكذا وفقا للأشكال التكميلية للحماية بما فيها الحماية الفرعية تحت المادة (15-ج) 15(c) من قرار الاتحاد الأوروبى. قدرت، أيضا، إمكانية انطباق المعايير الخاصة بوضعية اللاجئين على الأشخاص الفارين من النزاع فى السودان أو الذين لا يستطيعون العودة إلى السودان بسبب النزاع وفقا لاتفاقية 1951. هذا يعنى انه يتعين التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين السودانيين أو عديمى الجنسية المقيمين بشكل معتاد بالسودان من خلال إجراءات عادلة وفعالة وفقا للقانون الدولى والإقليمى للجوء. كما رأت المفوضية عدم ملاءمة رفض طلبات الحماية الدولية على اعتبار وجود بديل للانتقال داخل السودان، وذلك نظرا للوضع الأمنى الراهن فى كل أنحاء السودان.
فيما يتعلق بطلبات لجوء الأشخاص من ذوى الجنسية السودانية الموجودين خارج السودان وفقا لترتيبات قانونية محددة ترتبط بالدراسة أو العمل فى الخارج أو غيرها من الوضعيات القانونية التى تم منحها قبل اندلاع الأزمة الراهنة، توصى المفوضية بمد العمل بهذه الترتيبات القانونية فى حدود الإمكان، وعدم منع هؤلاء الأفراد من التقدم للحصول على وضعية اللجوء فى الدول التى يوجدون فيها. كما رأت إمكانية إعادة النظر فى طلبات اللجوء المقدمة من قبل سودانيين وتم رفضها قبل الأحداث الجارية نظرا للمستجدات الراهنة. على أهمية هذه الجهود الأممية، الا أنها وحدها لا تكفى. هناك حاجة لتكاثف الدول الغنية لمساعدة الدول المستضيفة، وسرعة توفير التعهدات المالية المعلن عنها، على سبيل المثال فى مؤتمر المانحين بشأن السودان. لاشك فى أن الأعداد الغفيرة من اللاجئين الذين توافدوا على دول الجوار تشكل عبئا كبيرا على الدول المستضيفة التى تعانى بالأساس أزمات اقتصادية ضخمة. وبالتالى آن الأوان لإعمال حقيقى لمبدأ التقاسم الدولى العادل للأعباء والمسئوليات بين أعضاء المجتمع الدولى. يحب ألا يبقى هذا الأخير متفرجا مكتفيا بالخطابات الرنانة، بينما يترك عبء التعامل مع أزمة اللاجئين وتداعياتها الإنسانية والاقتصادية للدول النامية التى تستضيفهم، دون ان يمد لها يد العون.