في خطوة إيجابية للاقتصاد المصري، عدلت وكالة “كابيتال إنتليجنس” النظرة المستقبلية للديون المصرية طويلة الأجل، بالعملة المحلية والأجنبية، من سلبية إلى مستقرة، بالتوازي مع الحفاظ على تصنيف الديون، قصيرة الأجل عند درجة “B”. ويأتي هذا القرار عقب اتخاذ وكالة “موديز” قرارًا في أغسطس الماضي، بتمديد المراجعة السلبية للتصنيف الائتماني لمصر، لمدة ثلاثة أشهر إضافية، في ظل استمرار تقييم خطط الإصلاح الاقتصادي، ومواجهة ضعف السيولة الدولارية.
السياق المُصاحب للقرار
جاء قرار وكالة “كابيتال إنتليجنس” بتعديل النظرة المستقبلية للديون المصرية إلى مستقرة، مدفوعًا بعدة مُبررات تفسر دوافع اتخاذه، ويُمكن توضيحها على النحو التالي:
• استقرار نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي: تتسم نسبة الدين الخارجي المصري إلى الناتج المحلي الإجمالي بالاستقرار، عند متوسط يبلغ 32%، خلال الفترة التي تتراوح بين الربع الأول 2021/2022، والربع الثاني 2022/2023، مما يدلل على أنّ الدين الخارجي لا يزال دون الحد الأعلى للمخاطر عند 50%، وفقًا لحدود إطار قابلية الدين للاستدامة.
• توقعات متفائلة: تتوقع ” كابيتال إنتليجنس” تزايد احتمالية حصول الحكومة المصرية على دعم من دول مجلس التعاون الخليجي، وصندوق النقد الدولي، إلا إنها قد حذرت من خضوع الدعم الخارجي لدرجة من المشروطية، خاصّةً في ظل ربط مساعدات مجلس التعاون الخليجي ببرنامج الطروحات الحكومية.
كما أشارت الوكالة إلى أنه من الممكن تعديل النظرة المستقبلية إلى إيجابية في غضون عام، إذا تمكنت البلاد من خفض مخاطر التمويل الخارجي، من خلال بناء مستوى مرتفع من احتياطيات النقد الأجنبي المدعومة، بنظام سعر صرف موثوق، وفي حالة تنفيذ إصلاحات هيكلية ومالية دائمة، تعمل على استقرار أوضاع الاقتصاد الكلي، وتقليل تعرضه للصدمات الخارجية، ومعالجة نقاط الضعف الاجتماعية والاقتصادية.
• توازن مستمر: تحاول الوكالة أن توازن بين التقدم المُحرز في برنامج الطروحات الحكومية، وأجندة الإصلاح المالي والهيكلي، وبين وجود أدلة على استمرار الضعف في السيولة الخارجية، في ظل سحب الأصول الأجنبية الصافية، بشكل يتجاوز مبيعات الأصول التي تم الانتهاء منها مؤخرًا، وهو ما يقوض القدرة على زيادة سيولة النقد الأجنبي، بشكل مستدام قبل زيادة مدفوعات خدمة الدين، خلال العامين الماليين القادمين 2024/2025 و2025/2026.
• أداء إيجابي للقطاع المصرفي: سجل عجز صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي تراجعًا، بنحو 805 ملايين دولار خلال يوليو الماضي، وهو أكبر تحسن منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي شهدتها مصر عقب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث انخفض الفارق بين الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي، والتزاماته بالعملة الأجنبية تجاه غير المقيمين، إلى 26.2 مليار دولار مقابل 27.1 مليار دولار في يونيو السابق. إلى جانب ذلك، ارتفع إجمالي الودائع بالعملة الأجنبية بالجهاز المصرفي، بخلاف البنك المركزي، إلى 50.595 مليار دولار، بما يساوي 1.560 تريليون جنيه خلال شهر يوليو السابق، في مقابل 49.162 مليار دولار، بما يساوي 1.516 تريليون جنيه في يونيو الماضي، وذلك وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري.
• الانضمام إلى مجموعة “البريكس”: من المُرجح أن تكون خطوة انضمام مصر لمجموعة “البريكس” قد لعبت دورًا في تحسن التوقعات المرتبطة بالاقتصاد المصري، لا سيما في ضوء الفوائد الاقتصادية المحتملة، جراء الانضمام كزيادة حجم التبادل التجاري مع الدول الأعضاء؛ بما سيخفف الضغط على النقد الأجنبي، والمساعدة في تأمين السلع الاستراتيجية، مثل القمح والأرز، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
نظرة على وضع الدين الخارجي المصري
دفعت التحديات التي شهدها الاقتصاد العالمي على مدار الثلاثة أعوام الماضية، جميع الدول إلى الاستدانة من الحكومات الأخرى، أو المؤسسات الدولية؛ مما ساهم في صدور توقعات بارتفاع الديون السيادية العالمية إلى مستويات قياسية، بحلول نهاية عام 2023. واتصالًا بذلك، يحاول هذا الجزء تحليل آثار الأزمات العالمية، على مستوى الدين الخارجي المصري، بالاعتماد على بعض المؤشرات التي يصدرها البنك المركزي المصري.
بلغ الدين الخارجي المصري نحو 162.93 مليار دولار، خلال الربع الثاني من العام المالي 2022/2023 (أكتوبر- نوفمبر – ديسمبر 2022)، مقارنة بحوالي 154.98 مليار دولار خلال الربع الأول من نفس العام، بنسبة زيادة تبلغ نحو 5.12% على أساس فصلي. وبشكل عام، ارتفع الدين الخارجي خلال الفترة المعنية بالدراسة من 137.42 مليار دولار، خلال الربع الأول 2021/2022 إلى 162.93 مليار دولار، بحلول الربع الثاني 2022/2023، كما يُبين الشكل الآتي:
الشكل 1- الدين الخارجي المصري – فصليًا
المصدر- البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية.
وتنقسم الديون الخارجية إلى ديون طويلة الأجل، وديون قصيرة الأجل، وفي حالة الاقتصاد المصري، يتضح أنّ نسبة الدين طويل الأجل إلى إجمالي الدين الخارجي تبلغ نحو 81.44%، حتى الربع الثاني من 2022/2023 مقابل نحو 18.56%، تبلغها نسبة الدين قصير الأجل إلى إجمالي الدين الخارجي، كما يُبين الرسم أدناه:
الشكل 2- الدين الخارجي طويل الأجل وقصير الأجل – فصليًا
المصدر- البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية.
ورغم ارتفاع كلٍ من الدين قصير الأجل، وطويل الأجل؛ إلا أنّ الأخيرة تتميز بأنها ليست ضاغطة على الدولة المصرية، ولا تشترط أن تستردها الجهة المانحة في وقت قصير، إلا إنها تعتبر أغلى من الديون قصيرة الأجل، وتزيد من أعباء الدين على الأجيال القادمة، حيث يتنقل عبء الدين من الأجيال الحالية إلى الأجيال القادمة.
ومن الجدير بالذكر أنه من الممكن خفض نسبة الدين العام، بنوعيه الخارجي والمحلي، من خلال أربع نقاط؛ الأولى: تعزيز قدرة الدولة على تحصيل الإيرادات الضريبية، إلى جانب تحسين العائد على أصول الدولة، من خلال تبني سياسات اقتصادية سليمة، واستكمال برامج إعادة هيكلة الأصول المالية للدولة، مع تعزيز سبل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المجالات الاستثمارية، الثانية: السيطرة على الجانب الخاص بالمصروفات بالموازنة العامة للدولة، لا سيما في ظل ارتفاع الضغوطات المفروضة عليها مؤخرًا، عن طريق إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، مع زيادة الإنفاق الاستثماري الموجه لتحسين البنية الأساسية، ورفع مستوى الخدمات العامة، وميكنة قواعد البيانات المتاحة، بما يسمح بتوجيه موارد الدولة المحدودة إلى الفئات المستهدفة، الثالثة: إصلاح قطاع الأعمال العام لضمان تحقيق عوائد مناسبة، عن السلع والخدمات التي تقدمها هذه الهيئات والشركات في القطاعات المختلفة، الرابعة: استكمال برنامج توطين الصناعة، والنهوض بقطاع الصناعات التحويلية، من أجل تحقيق دخل إضافي للموازنة العامة للدولة، يسهم في النهاية في تعزيز جانب الإيرادات بها.
في الختام، ينبغي التأكيد على أنّ الدين الخارجي في مصر لا يزال ضمن الحدود الآمنة، خاصّةً في ظل عدم وجود مخاطر، بعدم السداد، أو التخلف عن السداد، ولكن لا ينفي هذا أهمية محاولة خفض الديون، والاتجاه لتعزيز الإيرادات، ومصادر النقد الأجنبي المستدامة، مثل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وطرح أصول الشركات المملوكة للدولة، ومشاركة القطاع الخاص.