نشرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “إيرينا” تقريرًا يتناول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لعملية تحول الطاقة في مصر، وذلك بالتزامن مع انطلاق فعاليات مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب 28” في مدينة دبي بدولة الإمارات والتي انطلقت يوم الخميس 30 نوفمبر 2023، لمناقشة إعادة تحديد الدول لأهدافها الوطنية، واتخاذ خطوات أسرع نحو خفض الانبعاثات الكربونية والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والتحول نحو الطاقة النظيفة.
وفي هذا الإطار، يُعد تلوث الهواء وإدارة النفايات من التحديات البيئية الرئيسية في مصر، حيث يتزايد إنتاج النفايات بسبب النمو السكاني المتزايد وعدم كفاية التكنولوجيا للتخلص منها، ويؤثر تلوث الهواء تأثيرًا سلبيًا على الصحة العامة. إلى جانب ذلك، تؤثر القضايا البيئية المختلفة بشكل ملموس على الاقتصاد المصري وخاصة القطاع الزراعي بسبب الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة، والانخفاض المحتمل في هطول الأمطار، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على المياه للأغراض الزراعية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم أزمة ندرة المياه.
لذا، من المتوقع أن يكون لتحريك استراتيجية الطاقة في مصر بعيدًا عن الوقود الأحفوري نحو مصادر الطاقة المتجددة تأثير إيجابي على الاقتصاد المصري، مما يُضيف 63 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2050، إلى جانب خلق فرص العمل في قطاع الطاقة في مصر.
ملامح قطاع الطاقة في مصر
تمتلك مصر احتياطات كبيرة من الطاقة، بما في ذلك الوقود الأحفوري التقليدي والطاقة المتجددة. وفي نهاية عام 2020، كانت الاحتياطيات الهيدروكربونية المؤكدة في البلاد تتألف من 3.6 مليارات برميل من النفط و75.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
ومن أجل تلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة والمساهمة في خلق فرص العمل، شرعت مصر أيضًا في العديد من مشاريع الطاقة المتجددة، بهدف الحفاظ على الثروة الهيدروكربونية المحدودة في البلاد، وإدارة الصدمات الناجمة عن تقلب أسعار الطاقة العالمية، وجعل مسار النمو في مصر أكثر استدامة.
وخلال الفترة 2010-2021، ارتفعت حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة المصري، حيث شهدت قدرة الطاقة الشمسية معدل نمو سنوي مركب قدره 53.4%، مقابل معدل نمو لطاقة الرياح يبلغ 10.4%، ليصل إجمالي القدرة المركبة في مصر من مصادر الطاقة المتجددة إلى حوالي 6322 ميجاوات لعام 2022، من بينها 2832 ميجاوات من الطاقة الكهرومائية، و1643 ميجاوات من طاقة الرياح، و1704 ميجاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و20 ميجاوات من الطاقة الشمسية المركزة، و123 ميجاوات من الطاقة الحيوية.
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال مصر تعتمد على الوقود الأحفوري في استهلاك الطاقة بنسبة 68.5%، ويعتبر قطاع النقل من أكبر القطاعات المستهلكة للطاقة في مصر بنسبة 34%، يليه قطاع الصناعة والإسكان بنسبة 29% و27% على الترتيب، ليمثل قطاع التجارة والخدمات نحو 6.6%، وأخيرًا القطاعات الأولية (الزراعة والغابات وصيد الأسماك) عند 2.9%.
تحول الطاقة.. التحديات والحلول
بدأت مصر في عام 2016 تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بهدف معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، كارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم وتراجع المرونة المتاحة للحكومة في تنويع خيارات الإنفاق. ومنذ ذلك الحين، تحسنت المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد والتي تبلورت في زيادة الإنفاق الاستهلاكي، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي للأسر ذات الدخل المنخفض.
ورغم ذلك، لا تزال مصر تواجه تحديات على الصعيد الاقتصادي والطاقوي والبيئي، باعتبارها واحدة من البلدان الأكثر تعرضًا للتغيرات المناخ.
- تحديات متصاعدة:
يعتمد اقتصاد مصر ومواطنوها بشكل كبير على الموارد الطبيعية وخاصة نهر النيل، وذلك لأغراض مختلفة كالشرب والزراعة والصناعة وتربية الأسماك وتوليد الطاقة والملاحة النهرية، وهو ما يجعلها عرضة بشكل كبير لتداعيات التغيرات المناخية، وهذا الاعتماد على النهر يجعل مصر معرضة بشكل خاص لتغير المناخ، والذي يشمل ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار في حوض النيل والمنطقة الساحلية لشرق البحر الأبيض المتوسط. وعلى مدار الثلاثين عامًا الماضية، ارتفعت درجات الحرارة في مصر بمتوسط 0.53 درجة مئوية لكل عقد، مما يعرض الأمن المائي والغذائي للبلاد للخطر. ويُعد تلوث الهواء وإدارة النفايات أيضًا من التحديات البيئية الرئيسية في مصر، إلى جانب استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يُساهم في زيادة الانبعاثات الكربونية.
- فرص واعدة:
من خلال تولي مصر رئاسة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27) عام 2022، أتيحت لها الفرصة للعب دور رائد في سياسات وإجراءات المناخ العالمي، حيث اتخذت البلاد بالفعل خطوات مهمة في هذا الصدد، وتطورت سياستها المناخية من مجرد الالتزام بالالتزامات الدولية إلى تطوير استراتيجية طويلة الأجل لتصبح رائدة إقليمية في معالجة تغير المناخ.
وقد التزمت مصر بشكل كبير بخفض الانبعاثات من خلال تقديم أول مساهماتها المحددة وطنيًا (NDC) في يونيو 2022، والتي تتضمن أهدافًا كمية لخفض الانبعاثات، لتشمل خفض 33% من انبعاثات قطاع الكهرباء، و65% من الانبعاثات الصادرة عن صناعة النفط والغاز الطبيعي، و7% من قطاع النقل بحلول عام 2030، مع تحديد مبلغ قدره 50 مليار دولار للتكيف مع التغيرات المناخية. كما نفذت مصر بالفعل إصلاحات ناجحة في قطاع الكهرباء، بما في ذلك الإلغاء التدريجي لدعم الطاقة، وتحسين محطات توليد الكهرباء وكفاءة الطاقة، وزيادة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لعملية تحول الطاقة
تتطلب عملية تحول الطاقة ضخ استثمارات هائلة في قطاع الطاقة المتجددة مما يؤدي إلى زيادة الطلب والإنتاج عبر القطاعات الاقتصادية، مثل البناء والتصنيع، مما يترتب عليه تأثير إيجابي على الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولهذا فقد أكد تقرير “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة” على أن تحول الطاقة سيترتب عليه آثار اقتصادية واجتماعية إيجابية.
وبالنسبة لمصر، سيساهم التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري نحو مصادر الطاقة المتجددة في خفض فاتورة واردات الطاقة، ومن المتوقع أن يؤدي انخفاض واردات الوقود إلى تحسين الميزان التجاري بنحو 1.3 تريليون دولار خلال الفترة 2021-2050.
إلى جانب ذلك، من الممكن أن يساهم تحول الطاقة في مساعدة البلاد على تحقيق مستهدفاتها المتعلقة بخفض معدل البطالة إلى 5% بحلول عام 2030، وذلك من خلال خلق المزيد من فرص العمل في قطاع الطاقة المتجددة تتراوح بين حوالي مليون وظيفة إلى 1.5 مليون وظيفة، حيث ستعوض تلك الزيادة فقدان الوظائف في قطاع الوقود الأحفوري. وفي عام 2050، من المرجح أن نسبة 10.9% من إجمالي الوظائف في قطاع الطاقة ستظل بقطاع الوقود الأحفوري، وهو ما يمثل انخفاضًا كبيرًا عن النسبة الحالية البالغة 62.7%. عطفًا على ذلك، ستؤثر عملية تحول الطاقة على تحسين رفاهية الإنسان بسبب زيادة إمكانية الوصول إلى الكهرباء، وتحسين الصحة العامة من خلال مواجهة تلوث الهواء وإدارة النفايات بشكل أفضل.
استخلاصًا مما سبق، يظهر التحليل الذي أجرته وكالة “إيرينا” أن تحول الطاقة يمكن أن يعزز اقتصاد البلاد، ويخلق المزيد من فرص العمل، ويعزز رفاهية المواطنين. لذا، فمن الأهمية بذل المزيد من الجهود اللازمة لإزالة الكربون من قطاعات النفط والغاز والكهرباء، خاصة في ظل تحول النظام التجاري العالمي إلى تفضيل السلع ذات المكون الكربوني الأقل، كما أن زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة سيعني توفير المزيد من العملات الأجنبية من خلال خفض فاتورة واردات الطاقة.