يمر الأردن بلحظة إقليمية ودولية دقيقة ترتبط بالعملية الجارية حاليًا لإعادة تشكيل الخرائط الجيوسياسية الإقليمية بحيث دخلت إيران بمنظومتها الإقليمية مرحلة التراجع والأفول ليشهد بالمقابل المشروع التركي صعودًا سريعًا مالئًا الفراغات التي خلفتها منافسته الإقليمية، فيما تواصل إسرائيل حربها الإقليمية المفتوحة على أكثر من جبهة، وتفرض هذه التفاعلات معادلة نفوذ وسيطرة مُغايرة في منطقة الشرق الأوسط وتخلق اصطفافات إقليمية جديدة، وهي معادلة تلقي بظلالها أيضًا على تحركات وأنشطة الفواعل المسلحة من غير الدول، وبالتوازي تستعد إدارة أمريكية جديدة لدخول البيت الأبيض بحلول العشرين من هذا الشهر، لكنها في واقع الأمر لم تكن ببعيدة عن مجريات الأوضاع على مسرح الشرق الأوسط الذي على ما يبدو كان يتأهب لمجيء إدارة ترامب الثانية. وينطوي هذا المشهد الإقليمي المعقد على تهديدات أمنية وسياسية تضر بالمصالح الاستراتيجية للأردن وأمنه القومي، وعليه، تناقش هذه الورقة أبرز المهددات الرئيسية المحيطة بالأردن خلال اللحظة الراهنة المتمثلة في سقوط النظام السوري وصعود الإسلاميين إلى الحكم، وإحياء الطموحات الإسرائيلية بضم الضفة الغربية، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
ثلاثة ملفات حرجة
تبرز ثلاث قضايا رئيسية على الساحتين الإقليمية والدولية تحمل تهديدات أمنية وسياسية واجتماعية محتملة على الأردن خلال المرحلة المقبلة، ويُمكن استعراضها كالتالي:
• سقوط النظام السوري وصعود الإسلاميين: يتعامل الأردن بحذر مع متغيرات المشهد السوري الجديد ورغم التهديدات الأمنية والسياسية التي طالت المملكة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية حتى سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الفائت من تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود وتهديد المليشيات الإيرانية في الجنوب وغيرها، إلا أن الوضع المستجد في سوريا ليس بمختلف حيث يفرض جملة من التحديات على المملكة:
• أولها: يُمكن أن يؤدي قطع خطوط الإمداد اللوجستي الإيرانية لحلفائها عبر سوريا إلى البحث عن ممرات بديلة، ويبرز الأردن كأحد المسارات المحتملة لتعويض خروج سوريا من شبكة التهريب الإيرانية، إذ قد تستغل الأخيرة مزيجًا من جماعات الجريمة المنظمة والمسلحين عن طريق عمليات استخباراتية لتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية عبر الأردن مرورًا بالعراق، لا سيَّما أن المملكة اشتكت رسميًا إلى العراق في أغسطس 2024 بشأن اقتراب قوات الحشد الشعبي من حدودها. وكشفت تحقيقات أجراها الأردن عن شبكات تهريب إيرانية عديدة تستخدم المملكة كممر لنقل الأسلحة من سوريا والعراق إلى الضفة الغربية، حيث تصاعد نشاط التهريب خلال العام الأخير، ففي مارس 2024، أحبط الأردن مخططًا لتهريب شحنة أسلحة كان من المفترض أن يذهب جزء منها إلى الضفة الغربية بينما يذهب الجزء الآخر إلى أعضاء خلية الإخوان المسلمين بالبلاد، وفي سبتمبر 2024، تم ضبط 74 مسدسًا من طراز جلوك و61 مخزنًا عند معبر إسحاق رابين بالقرب من مدينة إيلات جنوب إسرائيل داخل مركبة كانت تحاول العبور من الأردن إلى إسرائيل، وفي نوفمبر 2024، ضبطت وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية مخابئ أسلحة إيرانية للتهريب عبر الحدود الأردنية شملت صواريخ مضادة للدبابات وقذائف صاروخية ومتفجرات نوع سيمتكس وسي-4، ومن شأن تصاعد التهديدات الأمنية القادمة من المملكة إلحاق الضرر بالعلاقات الثنائية مع إسرائيل.
• ثانيها: إن تقويض المشروع الشيعي الإيراني الإقليمي الذي حاول ضم الأردن إلى حلقاته واستخدامه كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل، لا يعني انتهاء التهديد بالنسبة للمملكة التي باتت تواجه الآن المشروع التركي الذي يقود محورًا إسلاميًا سنيًا جوهرة جماعة الإخوان المسلمين ويتطلع لتقديم نموذج علماني بجذور إسلامية، وهو مشروع يُهدد الاستقرار السياسي في الأردن كونه يُعطي دفعة لطموحات الإسلاميين المحليين في ظل حالة عدم الرضاء الشعبي على خلفية الصعوبات الاقتصادية وارتفاع معدل البطالة، ومن ثَمّ فإن احتمالات تأثير الدومينو استنادًا إلى نجاحات الإسلاميين في سوريا يبقي عاملًا مؤرقًا لعمَّان.
• ثالثها: التطويق العسكري الإسرائيلي للأردن على الجبهة الشمالية الاستراتيجية مع الحدود السورية حيث توغل الجيش الإسرائيلي في المناطق الجنوبية محتلًا جبل الشيخ وأجزاء من درعا والقنيطرة وريف دمشق (بات على مشارف 25 كيلومترًا من العاصمة دمشق) بحيث باتت الدبابات الإسرائيلية على بعد كيلومترات قليلة من الأراضي الأردنية؛ الأمر الذي يخلق واقعًا استراتيجيًا وعسكريًا وأمنيًا وسياسيًا جديدًا في منطقة الجنوب السوري التي تُعد الخاصرة الجنوبية للأردن وخط الدفاع الأول عن أمنه القومي ويعتبره امتدادًا طبيعيًا لأمنه، بما يفرض تهديدات أمنية واستراتيجية على المملكة، كما أنه يُمثل ضررًا بالغًا لأمنها المائي؛ نظرًا لما يعنيه ذلك من سيطرة إسرائيل على منابع نهر اليرموك –الرافد الرئيسي لنهر الأردن– لا سيَّما أن الأردن يعاني الفقر المائي ولا يحصل على حصته المائية الكاملة من نهر اليرموك المُقدرة بـ 375 مليون متر مكعب سنويًا نتيجة للسياسات السورية.
• رابعها: المخاطر المرتبطة بسيناريوهات المستقبل، فعملية بناء الدولة السورية وإنضاج نظام سياسي مستقر عملية طويلة وممتدة ومتعددة المراحل ولا يبدو أنها خطت حتى الآن خطواتها الأولى، ورغم التصريحات المطمئنة والمهادنة التي يصرحها قادة الإدارة السورية الجديدة وفي مقدمتهم أحمد الشرع بشأن بناء نظام سياسي تشاركي يضم كافة مكونات المجتمع السوري، فإن واقع التطورات الميدانية والسياسية يُنذر باحتمالات انتهاء مرحلة الهدنة واندلاع دورة عنف مسلح جديدة بالنظر لتعدد الفصائل المسلحة السورية وتعارضها أيديولوجيًا وفكريًا مع غياب الهدف الجامع المتمثل في إسقاط نظام بشار الأسد، وانتشار السلاح المنفلت على اتساع الجغرافية السورية وصعوبة ضبطه وتجميعه بشكل كلي، وظهور بوادر للعنف الطائفي في المناطق الساحلية بين المكون العلوي والإدارة الجديدة، وتتزايد وتيرة الاشتباكات في مناطق مثل وحمص وحماة وأطراف دمشق، وسعي هيئة تحرير الشام للاستفراد بالسلطة والمماطلة بشأن مدة المرحلة الانتقالية وفق قاعدة “المغالبة لا المشاركة”. وهذه جميعها عوامل تعزز فرص انزلاق سوريا لمرحلة اقتتال داخلي أو حرب أهلية ثانية سوف تشجع بتأكيد موجات جديدة من اللاجئين سيكون للأردن نصيبه منها، وتطلق فوضى أمنية حدودية يرتبط بها تصاعد نشاط التهريب العابر للحدود سواء للمخدرات أو السلاح أو العناصر الإرهابية.
إضافة إلى التهديدات الأمنية المرتبطة بالفصائل والمجموعات العسكرية المنحدرة من محافظة درعا وريف دمشق لا سيَّما مع بوادر عدم استجابة لمطالب الإدارة الجديدة تجلت بوضوح في غياب أحمد العودة قائد اللواء الثامن بدرعا عن اجتماع الشرع مع قادة الفصائل المسلحة بقصر الشعب –الذي تضمن مطالبتهم بحلها ودمجها ضمن الجيش السوري الجديد– رغم وجوده بدمشق، مع وجود حذر لدى الفصائل الجنوبية الأخرى تجاه تبني هيئة تحرير الشام توجهًا لابتلاع الجميع؛ الأمر الذي ربما يئول إلى اقتتال مسلح بين القوات التابعة لهيئة تحرير الشام وتلك الفصائل أو اتجاه الأخيرة لتأسيس جيشها الخاص، ومن ثَمّ خلق حالة من الاضطرابات والفوضى الأمنية منطقة الجنوب السوري بمحاذاة الحدود الأردنية. وفي كل الأحوال، فإن حتى إقامة نظام سياسي مستقر ذي أيديولوجية إسلامية متشددة تدعمها تركيا على الحدود الشمالية الأردنية يخلق تهديدات بشأن عدوى النموذج.
• خامسها: تخلق البيئة الأمنية غير المستقرة في الجنوب السوري في ظل التنافس على النفوذ بين هيئة تحرير الشام والفصائل المحلية الذي يُنذر بمواجهات محتملة، مناطق رخوة أمنية تعمل كمحفز لتنامي التهديدات العابرة للحدود سواء ذات طابع إرهابي أو إجرامي؛ حيث يُمكن أن يستعيد تنظيم داعش –الذي ينتشر داخل مناطق الجنوب في شكل مجموعات محلية صغيرة– نشاطه العملياتي، علاوة على عودة ظهور شبكات الجريمة المنظمة بأشكال وأساليب جديدة مع استمرار عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، وقد أعلن الجيش الأردني يوم 1 يناير 2025 قتل عدد من المهربين وتدمير آلياتهم عندما حاولوا اجتياز حدود المملكة قادمين من سوريا، وإحباط خمس محاولات تهريب كميات من المواد المخدرة بواسطة طائرات مسيرة حاولت اجتياز الحدود بطريقة غير مشروعة خلال الأيام السابقة.
• سادسها: التهديدات المتصلة باحتمالات عودة العناصر الأردنية المسلحة في سوريا إذ ضمت جبهة تحرير الشام خلال مراحلها الأولى قيادات جهادية أردنية قبل انشقاقها وتشكيلها تنظيم حراس الدين، كما أنها صعدت شخصيات أردنية إلى مناصب قيادية في الجيش السوري الجديد حيث تضمن قرار الترفيعات العسكرية الجديدة التي أعلنتها إدارة العمليات العسكرية منح عبد الرحمن حسين الخطيب –أردني من أصل فلسطيني– رتبة عميد، علاوة على وجود مقاتلين أردنيين ضمن صفوف تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المسلحة النشطة داخل الساحة السورية.
• إحياء الطموحات الإسرائيلية بضم الضفة الغربية: حاولت عمَّان الحفاظ على درجة توازن دقيقة بين الرأي العام ومزاج الشارع السياسي الأردني تجاه العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة منذ عام ويزيد والمصالح الاستراتيجية العليا للمملكة مع إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن انفتاح شهية بعض أقطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف لقضم مزيد الأراضي الفلسطينية مدفوعين بنشوة النجاحات الميدانية التي تحققت على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية والانهيار المتلاحق للمكونات الإقليمية لمحور المقاومة، يُثير مخاوف الأردن بشأن إعادة طرح فكرة الضم الإسرائيلي لمساحات واسعة من الضفة الغربية، وهي تصنفها المؤسسة العسكرية الأردنية باعتبارها عملًا عدائيًا. ويُمكن أن يتضمن السيناريو المتخيل تنفيذ إسرائيل عملية تهجير قسري للفلسطينيين كخطوة أولى من المنطقة (ج) إلى المنطقة (ب) ثم إلى المنطقة (أ)، بهدف خلق ضغط ديمغرافي واقتصادي على البنية التحتية في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، ومن ثَمّ دفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية باتجاه الأردن، وقد تستخدم إسرائيل قوانين تسمح بترحيل عائلات الشباب الذين شاركوا في عمليات ضدها.
ورغم أن إدارة ترامب الأولى رفضت إعطاء الضوء الأخضر لخطط نتنياهو ضم الضفة عام 2020، فإن احتمالات الضم الكامل أو الجزئي تبدو واردة بدرجة أكبر خلال ولاية ترامب الثانية بالنظر إلى المواقف المؤيدة لإسرائيل التي تتبناها الشخصيات المرشحة للمناصب الرئيسية في الإدارة الجديدة وفي مقدمتها بيت هيجسيث المُختار لمنصب وزير الدفاع ومايك هاكابي المرشح لمنصب السفير الأمريكي لدى إسرائيل، علاوة على أن مسألة الضم لم تعد مجرد خطاب أو فكرة هامشية في السياسة الإسرائيلية وإنما طموح بعض الوزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وزير المالية، ويخشى الأردن من تبعات سيناريو كهذا على زعزعة معادلة الاستقرار السياسي القائمة حاليًا بالنظر إلى الحساسية العميقة للسياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية بأطرافها الإقليمية والدولية بالنسبة للمكونات الداخلية؛ حيث ينطوي هذا السيناريو –حال تحقيقه– على مهددات تضر بالأمن الأردني وفق عدة مستويات:
• أولها: إعادة طرح الأردن كوطن بديل للفلسطينيين من خلال تهجير آلاف الفلسطينيين من أراضيهم أو منازلهم في المناطق المهددة بالضم، كما يُمكن أن يلجأ نحو 250 ألف شخص يحملون جوازات سفر أردنية دائمة ويعيشون في الأراضي الفلسطينية إلى الأردن للهرب من الضغوط الإسرائيلية، وفي هذه الحالة لن يتمكن الأردن من رفضهم قانونيًا؛ الأمر الذي يزيد الضغوط السكانية على الدولة التي تُعاني بالفعل مشكلة ديموغرافية فادحة تتصل بارتفاع نسبة السكان الأردنيين من أصول فلسطينية إلى نحو 60% من السكان، فضلًا عن أعداد كبيرة من اللاجئين من بلدان مجاورة أخرى بما في ذلك سوريا والعراق، ومكمن الخطورة هنا يتعلق بإمكانية إحياء المطالبات بضرورة مراعاة التركيبة الديموغرافية فيما يتعلق بالتصويت الوطني والتمثيل السياسي.
• ثانيها: احتمالية تحريك الشارع الأردني وخروج الاحتجاجات السلمية المُنددة بالممارسات الإسرائيلية والمؤيدة لحقوق الفلسطينيين عن الطابع السلمي والتحول إلى انتقاد السياسات الحكومية والمطالبة بإصلاحات سياسية جوهرية تراعي المتغيرات الديموغرافية والمزاج الشعبي المُعادي لإسرائيل خاصةً مع تنامي الاتهامات الغاضبة ضد الحكومة باتخاذ مواقف ضعيفة، وإعطاء الأولوية للالتزامات السياسية والأمنية مع إسرائيل والولايات المتحدة على حقوق الفلسطينيين، والمطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة 1994 وإنهاء جميع مظاهر العلاقات والتعاون مع إسرائيل، وهو ما يُثير مخاوف بشأن تطور كتلة حرجة من الغضب بين المكونات التي شكلت تقليديًا دعائم الاستقرار السياسي؛ أي أولئك الذين يعيشون في المدن الأردنية الرئيسية أو بالقرب منها ويزودون القوات المسلحة وأجهزة الأمن بالقوى العاملة.
• ثالثها: تنامي شعبية الإسلاميين لا سيَّما أن محور الإسلام السياسي السُني أخذ دفعة إقليمية جديدة على خلفية صعود هيئة تحرير الشام إلى حكم سوريا، ورغم أن البصمة البرلمانية الجديدة التي اكتسبتها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن (فوز جبهة العمل الإسلامي بـ 31 مقعدًا من أصل 138 خلال انتخابات سبتمبر 2014) ليست كافية وحدها لزعزعة استقرار المملكة خلال الأمد القريب، فإنها كاشفة لتزايد مقبولية التيار الإسلامي في الشارع السياسي الأردني واكتسابه شرعية شعبية وسياسية مع احتمالية تعزيز مكاسبه خلال الفترة المقبلة حيث استحوذت جبهة العمل الإسلامي على المزاج المؤيد للفلسطينيين بالأخص بين الشباب والأردنيين من أصل فلسطيني. ويتعزز هذا التحدي بالنظر لوجود عناصر مؤيدة لحماس داخل حركة الإخوان في الأردن، واستطاعة جبهة العمل الإسلامي استقطاب بعض العناصر القبلية المؤثرة ضمن قوائمها الانتخابية وهو ما يُشكل ملمحًا خطرًا، فالارتباط القبلي بالإخوان يُمكن أن يُهدد الوضع السياسي القائم بالنظر إلى لعب القبائل الأردنية تاريخيًا دورًا رئيسيًا كعامل استقرار للنظام السياسي حيث تُعتبر بمثابة جزء من الأجهزة السياسية وتهمين على الأجهزة الأمنية.
• رابعها: الإضرار بوضع السلام الأردني الإسرائيلي المستقر بموجب معاهدة وادي عربة 1994، إذ قد يُحفز تصاعد المشاعر المُعادية لإسرائيل تنفيذ عمليات هجومية عبر الحدود والتي شهدت تناميًا خلال الفترة القليلة الماضية. ففي سبتمبر 2024 قتل سائق شاحنة أردني ثلاثة إسرائيليين بالقرب من معبر الحدود بين الأردن والضفة الغربية، وفي أكتوبر عبر أردنيان الحدود جنوب البحر الميت وفتحا النار على جنود إسرائيليين وأصابا بعضهم قبل أن يُقتلا، وفي نوفمبر، أطلق مسلح النار على الشرطة بالقرب من السفارة الإسرائيلية في عمان مُصيبًا ثلاثة قبل أن يقتل، وهي حوادث ربما تأخذ طابعًا مكثفًا حال صعدت إسرائيل في الضفة الغربية؛ الأمر الذي سيقابله الجيش الإسرائيلي بالتصعيد المقابل، ومن ثَمّ خلق دورة جديدة من الصراع والعنف المسلح.
• عودة ترامب إلى البيت الأبيض: رغم أن ولاية ترامب الأولى شهدت بعض التطورات الإيجابية في العلاقات الأردنية الأمريكية على غرار زيادة المساعدات الاقتصادية لتصل إلى 1.3 مليار دولار سنويًا، وإقالة السفيرة الأمريكية في عمَّان أليس ويلز عام 2017 بناءً على رغبة ملك الأردن، فإن العلاقات الثنائية اتسمت بالركود خلال العامين الأخيرين من رئاسة ترامب لا سيَّما أن صفقة القرن التي تبناها الأخير أثارت مخاوف الأردن بشأن الانتقاص من دوره المحوري والتاريخي في القضية الفلسطينية فيما يتعلق بحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس؛ الأمر الذي يُمكن أن ينصرف إلى تراجع المكانة الإقليمية للأردن مقابل صعود فواعل أخرى، ورغم اختلاف السياق الإقليمي بين الولايتين كما أن فريق ترامب الجديد في الشئون الخارجية والأمن والدبلوماسية لن يكون هو نفسه كما كان خلال إدارته الأولى، بما في ذلك صهره جاريد كوشنر، الذي امتلك علاقة متوترة وغير ودية مع الأردن، فإن مخاوف عمَّان لا تزال قائمة اتصالًا بمسألة ضم الضفة –المشار إليها تفصيلًا سلفًا– إلى جانب قضايا أخرى:
• أولها: احتمالية الانتقاص من الدور الإقليمي للأردن ونفوذه السياسي مقابل ارتفاع القيمة الاستراتيجية لأطراف إقليمية أخرى اتصالًا باتساع عملية التطبيع مع إسرائيل. فقد أدى تفرد الأردن ومصر باتفاقيات سلام مع إسرائيل حتى عام 2020 إلى إكساب المملكة ميزة استراتيجية جعلت منها شريكًا أمنيًا معتدلًا يُمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه، إلا أن ظهور الاتفاقيات الإبراهيمية واحتمال اتساعها لتشمل أطرافًا جددًا مع إبداء استعداد أكبر لتنويع مجالات التعاون لتشمل التكنولوجيا والأمن والطاقة والخدمات، يُسهم في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، وينزع عن الأردن حالة التفرد الاستراتيجية ومن ثَمّ يزيد احتمالية تأثر مكانته الإقليمية.
• ثانيها: إثارة الحساسيات الداخلية بشأن القضية الفلسطينية ومن ثَمّ الإضرار بالأمن القومي الأردني، حيث يؤيد ترامب الأيديولوجية اليمينية الإسرائيلية؛ الأمر الذي سيدفعه إلى تقديم مزايا واسعة للإسرائيليين، مع إمكانية إحياء صفقة القرن حتى وإن كانت بمسمى آخر أو عقب إدخال تعديلات على مضمونها، وإعادة قطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهي خطوات من شأنها الإضرار بمصالح وأمن الأردن.
ختامًا، يواجه الأردن ضغوطًا أمنية وسياسية مكثفة وتهديدات على الجبهتين الاستراتيجيتين الشمالية والشرقية، بينما لا يزال الوضع الداخلي صعبًا نتيجة الأزمة الاقتصادية وصعود الإسلاميين، وفي دولة تتأثر جبتها الداخلية بدرجة كبيرة بالمتغيرات الخارجية فإن مخاطر عدم الاستقرار تتزايد، لذلك تحرص عمَّان على فتح قنوات اتصال مع إدارة دمشق الجديدة ومناقشة القضايا الأمنية واستكشاف فرص التنسيق والتعاون، والموازنة الدقيقة بين المصالح الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومراعاة المزاج الشعبي الداخلي.