شهدت الساحة الإقليمية خلال عام 2024 جملة من الأحداث التي من المرجح أن تحمل انعكاسات مباشرة على مستقبل الظاهرة الإرهابية في عام 2025، يأتي على رأسها سيطرة “هيئة تحرير الشام” على الحكم في سوريا، فضلًا عن التأثيرات الممتدة للعدوان الإسرائيلي على غزة، بجانب التعاون البراجماتي بين الفواعل العنيفة من دون الدول في منطقة الشرق الأوسط، بما يؤكد أن الأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط ستظل محركًا أساسيًا للظاهرة الإرهابية على المدى القصير والمتوسط. ومن ثم تسعى هذه الدراسة إلى الوقوف على أبرز التحولات التي طرأت على الظاهرة الإرهابية خلال عام 2024، من أجل استشراف مسارات عملها وجغرافيا نشاطها خلال عام 2025.
تحولات متعددة
ثمة تحولات متعددة شهدتها الظاهرة الإرهابية خلال عام 2024، قد تمتد أثارها إلى عام 2025، ويمكن تناولها على النحو التالي:
- توسيع الخيارات الاستراتيجية: بالنظر إلى تاريخ التنظيمات الإرهابية، نجد أنها قدمت أربعة خيارات استراتيجية رئيسية، يتعلق أولها بمحاربة “العدو القريب” أي قتال الانظمة المحلية الحاكمة، وينصرف ثانيها إلى “الجهاد الدفاعي” أي محاربة الدول غير الإسلامية التي غزت بلاد مسلمة، ويتصل ثالثها بمحاربة “العدو البعيد”، المتمثل في المقام الأول في الولايات المتحدة، في ضوء رؤية تلك التنظيمات أن الأخيرة تقدم دعم للأنظمة المحلية ما يحول دون إسقاطها، ويدور رابعها حول “الجهاد الهجومي” أي تشكيل خلافة عبر توسيع الأراضي الواقعة تحت سيطرة المسلمين.
لكن نجحت “هيئة تحرير الشام، في توسيع تلك الخيارات من خلال تحقيقها الهدف الرئيسي لكافة التنظيمات الإرهابية، والمتمثل في الوصول إلى السلطة والحصول على الاعتراف الدولي -على مستوى الممارسات وإن لم يكن على مستوى التصريحات وهو الذي لم تتمكن حركة “طالبان” من الحصول عليه- ما يمثل نموذجًا ملهمًا لتلك التنظيمات لاتباع النهج ذاته.
- التعاطي مع العدوان الإسرائيلي على غزة: منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في أواخر عام 2023، تفاعلت معظم التنظيمات الإرهابية مع الأحداث في غزة حيث توالت البيانات الصادرة عن تنظيم “القاعدة” بمختلف فروعه التي أشادت بعملية “طوفان الأقصى”، وحرضت على استهداف كل ما هو “صليبي وصهيوني وإسرائيلي في حرب مفتوحة.” كذلك حرض تنظيم “داعش” على استهداف الوجود اليهودي في مختلف انحاء العالم، وبالفعل حاول التنظيم خلال عام 2024، تنفيذ هجمات على بعض المعابد اليهودية في روسيا وفرنسا.
لكن خلال النصف الأول من عام 2024، طرح تنظيم “القاعدة” استراتيجية طويلة المدى قائمة على استغلال حاله الغضب التي تشهدها المجتمعات العربية والإسلامية على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة، وذلك عبر إصدار سلسلة من المقالات جاءت بعنوان “هذه غزة حرب وجود لا حرب حدود”، حيث حرض الأفراد على السفر إلى أفغانستان، والخضوع للتدريب، والاستفادة من تجربة حركة “طالبان”، ثم العودة إلى بلدانهم الأصلية لتطبيق تلك الدروس المستفادة، وبالتالي يمثل هذا التصور نهج استراتيجي قد يحمل ارتدادات واسعة على الأمن الإقليمي في المستقبل.
- عقد تحالفات براجماتية: منذ عام 2023، ظهرت عدد من التحالفات البراجماتية بين التنظيمات الإرهابية والفاعلين العنيفين من دون الدول وتعززت تلك التحالفات في عام 2024، حيث عملت حركة “الحوثي” على تعميق علاقتها بتنظيم “القاعدة في اليمن” _ المختلف عنها إيدلوجيًا_ والذي فتح لها قنوات اتصال للتفاعل مع حركة “الشباب” الصومالية. والآن يعمل كل من تنظيم “القاعدة في اليمن” وحركة “الشباب” الصومالية كوسطاء، وإلى حد ما، كشركاء يساعدون “الحوثيين” في تهريب المواد اللازمة إلى داخل اليمن وخارجه من أجل تأمين سلاسل توريد برامج الأسلحة الخاصة بهم. وفي المقابل، تزودهم حركة “الحوثي” بالطائرات بدون طيار، مما يساعد في تطوير قدراتهم وتعزيز نفوذهم في المنطقة. وبالتالي تغذي هذه العلاقة التكاملية بينهم من حدة الاضطراب في المنطقة.
- توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي: استغلت التنظيمات الإرهابية تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهدافها، ومن أبرز الأمثلة في هذا الصدد توظيفها في الطائرات بدون طيار في أغراض المراقبة والاستطلاع وتنفيذ الهجمات، ومنذ عام 2023، بدأت تلك التنظيمات في استغلال النماذج الأكثر تطورًا للذكاء الاصطناعي كأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل تشات جي بي تي ChatGPT، بهدف نشر أفكارها وتكثيف دعايتها، واستمر هذا التوظيف وتعزز في عام 2024، حيث أعلنت مجموعة إعلامية متحالفة مع تنظيم “القاعدة” تعرف باسم “مجلس التعاون الإعلامي الإسلامي” (IMCC) في 9 فبراير 2024 عن إطلاقها ورشة عمل في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير مهارات اتباعها في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل الإعلامي.
كذلك أطلاق تنظيم “داعش” عدد من مقاطع الفيديو باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في عام 2024، فضلًا عن قيامه باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لترجمة خطاباته إلى لغات متعددة حيث أصبح ينتج دعايته في الوقت الراهن بما يزيد عن 12 لغة. ومن المحتمل أن يستمر هذا التوجه من قبل تلك التنظيمات ويتصاعد في المستقبل وذلك في ضوء ما تتيحه تلك التطبيقات من إمكانيات واسعة.
نشاط محتمل
من المتوقع أن يشهد عام 2025 تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في مناطق جغرافية متعددة، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
- الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: من المحتمل أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصاعد لنشاط التنظيمات الإرهابية وذلك على خلفية تنامى حده الأزمات والاضطرابات التي تشهدها المنطقة، فبالنسبة لتنظيم “داعش” فمن المرجح أن يواصل زيادة وتيرة عملياته في الأمد القريب والمتوسط في الساحة السورية على أن يعمل في الوقت ذاته على بناء قدراته، مستغلًا تعقد الأوضاع في الساحة السورية، فضلًا عن القتال الحالي بين “قوات سوريا الديمقراطية” و”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، والذي يؤثر على الدور الذي تلعبه الأولى في مكافحة نشاط “داعش” من ناحية، والاستمرار في تأمين مناطق الاحتجاز الخاص بعناصره من ناحية أخرى. هذا بجانب احتمالية اجتذابه المتشددين في صفوف “هيئة تحرير الشام” الغير راضين عن النهج البراجماتي الذي تتبعه الهيئة مؤخرًا.
وثمة مخاوف من أن تنتقل ارتدادات الساحة السورية إلى مثيلتها العراقية، فمن المتوقع أن ينعكس الوضع الراهن في سوريا على نشاط التنظيمات الإرهابية وحركة العناصر التابعة لها عبر الحدود بين الدولتين، لا سيما وأن السجون العراقية تضم العديد من عناصر تنظيم “داعش”.
وبالنسبة ليبيا واليمن، نجد أن نشاط تنظيم “داعش” شهد تراجعًا خلال السنوات الأخيرة في كل منهما، لكن في حال تعزز نشاطه في معاقله التقليدية من المحتمل أن يحدث انتعاش عملياتي للأفرع الأخرى، ومن ثم اعاده أحياء “المكاتب الإدارية” الخاصة بالولايات التابعة له، مثل مكتب “الأنفال” وهو مسئول عن ليبيا وأجزاء من شمال أفريقيا، ومكتب “أم القري” المسئول عن اليمن وشبة الجزيرة العربية.
وبالنظر إلى النشاط المحتمل لتنظيم “القاعدة”، فنجد أن ثمة تراجع في نشاطه في سوريا، لكن مع الأحداث الأخيرة من المرجح أن يستغل تنظيم “حراس الدين” التابع للأول حالة عدم الاستقرار في سوريا على من أجل إيجاد مساحة لنشاطه لا سيما وأن التقارير الأممية الحديثة تشير إلى أنه يعكف في الوقت الحالي على إعادة هيكلة ذاته والتركيز على سياقه المحلى
وبالانتقال إلى تنظيم “القاعدة في اليمن” فعلى الرغم من التحديات التي يعاني منها التنظيم على خلفية الضغط الأمني الذي أفقده عدد من زعمائه البارزين، فضلًا عن تصاعد الانشقاقات الداخلية، إلا أنه لا يزال أكثر التنظيمات الإرهابية المؤثرة في الساحة اليمنية، وتكمن خطورة تحركاته المستقبلية في التنسيق البراجماتي بينه وبين حركة “الحوثي” الذي سوف يزيد من حدة الاضطرابات في اليمن وقد تمتد تداعياته إلى أمن البحر الأحمر.
- شرق أفريقيا: من المحتمل أن تتوسع تهديدات التنظيمات الإرهابية في منطقة شرق أفريقيا خلال عام 2025، فبالنظر إلى “داعش الصومال” فنجد أنه نجح في تعزيز وجوده في الصومال في ضوء التدفق الواسع للمقاتلين الأجانب الذين جاءوا من سوريا واليمن وإثيوبيا والسودان والمغرب وتنزانيا، فضًلا عن تعزيز نفوذه في شبكة “داعش” العالمية على خلفية دوره المالي المرتبط بتجميع إيرادات التنظيم وتوزيعها على مختلف أفرع القارة الأفريقية من ناحية، بجانب توسيع قدرته على التخطيط للعمليات الخارجية ناحية أخرى، ومن المرجح أن يستمر في تصعيد نشاطه وتأكيد وجوده في الصومال في المستقبل، لا سيما وأنه أعلن في بداية العام الجاري عن تنفيذه عملية نوعية استهدف قاعدة عسكرية رئيسية في منطقة “باري” بإقليم “بونتلاند”، ما أسفر عن مقتل نحو (22) عنصرًا أمنيًا.
أما فيما يخص حركة “الشباب” الصومالية التابعة لتنظيم “القاعدة” نجد أنها استطاعت الصمود أمام الحملات الأمنية الواسعة التي تشنها القوات الأمنية الصومالية، وتمكنت من استعادة بعض المناطق التي تم تحريرها من قبل تلك القوات، وتواصل تنفيذ هجمات معقدة ضد القوات الأمنية الصومالية، وضد بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، كما تعمل على تطوير قدراتها بما في ذلك استخدام الطائرات المسيرة المسلحة القادرة على تنفيذ هجوم، وبالتالي في ضوء نجاح تجربة “هيئة تحرير الشام” ليس من المستبعد أن تطمح حركة “الشباب” الصومالية هي الأخرى في الاستيلاء على السلطة، لكن يرى العديد من المراقبين أن من المتوقع أن تلعب بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال “أوصوم” دورًا مهمًا في الاستجابة للتهديد الإرهابي في البلاد.
- غرب ووسط أفريقيا: تُعد أفريقيا جنوب الصحراء ساحة رئيسية لتنامٍ متوقع لنفوذ التنظيمات الإرهابية خلال عام 2025، حيث توفر الدول الفاشلة والمناطق غير الخاضعة للحكم ملاذًا للتنظيمات الإرهابية، فبالنظر لنشاط الأفرع التابعة لتنظيم “داعش”، فنجد “داعش غرب أفريقيا” الذي ينشط في حوض بحيرة تشاد (نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد)، يحافظ على أعلى مستوى من العمليات باستمرار بين كل ولايات “داعش” الخارجية، ومن المرجح أن يستمر في الحفاظ على تلك الوتيرة خلال عام 2025 في مناطق نفوذه دون وجود نية للتوسع خارج جغرافيا نشاطه لا سيما وأن الهدف الرئيسي له في الفترة الحالية يتمثل في إحكام سيطرته على المناطق الخاصة به من أجل إيجاد تمركزات قوية له.
بينما من المحتمل أن يعمل “داعش الساحل” الذي ينشط في جنوب شرق مالي وغرب النيجر وشمال شرق بوركينافاسو (المنطقة المعروفة باسم ليبتاكو غورما) في عام 2025 على توسيع مناطق سيطرته لا سيما وأنه خلال عام 2024، ضاعف من حجم الأراضي الخاضعة له، حيث وسع من سيطرته في مالي وامتد إلى مساحات جغرافية في النيجر وشمال شرق بوركينافاسو، ويظل طموحه قائمًا على تعزيز محوره اللوجستي مع شمال غرب نيجيريا.
أما “داعش وسط أفريقيا” والذي يتكون من مكونين منفصلين أولهما جماعة “أهل السنة والجماعة” في موزمبيق، وثانيهما “تحالف القوى الديمقراطية” في جمهورية الكونغو الديمقراطية فمن المتوقع أن يتجه هو الآخر إلى تصعيد عملياته خلال عام 2025، لا سيما وأن الأولى زادت من وتيره عملياتها في عام 2024، في ظل انسحاب قوات بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي “السادك” في موزمبيق، كذلك استطاع الثاني الصمود أمام الضغط الأمني الذي مورس عليه من قبل عملية “الشجاع ” التي أطلقتها كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، واستعاده نشاطه عبر تكثيف هجماته، ومن المحتمل أن يسعى “تحالف القوى الديمقراطية” إلى توسيع عملياته عبر الحدود خلال عام 2025، وتظل دول الجوار الجغرافي مثل أوغندا ورواندا وبوروندي، معرضة لخطر التأثر بأجندة “داعش وسط أفريقيا” التوسعية.
ويمكن القول إنه من المرجح أن يشهد عام 2025، مواصلة تنظيم “داعش” في التمدد الجغرافي والعملياتي في أفريقيا، وبالتالي يحمل هذا المشهد ارتدادات خطيرة يأتي في مقدمتها نجاح التنظيم في تدشين حلقات ربط بين مناطق نفوذه وولاياته المتواجدة في القارة، ما يفتح المجال أمام توسع مظاهر الدعم البشري واللوجيستي بينهما.
اما فيما يخص التنظيمات التابعة لتنظيم “القاعدة”، فتسعى جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” إلى استكمال سيطرتها على أراضي بوركينافاسو، وإنشاء ممر إلى الدول الواقعة على الساحل الغربي لأفريقيا. ويندرج هذا التوسع في إطار استراتيجيتها الرامية إلى مد نفوذها نحو دول خليج غينيا، وبعد السيطرة على مناطق واسعة من منطقة الساحل، تصبح دول الخليج مثل بنين وتوغو وكوت ديفوار هدفهم التالي، لا سيما مع وجود عناصر لها في المناطق الشمالية لهذه الدول. ومن المرجح أن تعد تجربة “هيئة تحرير الشام” نموذجًا ملهمًا لجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، لا سيما وأن الأخيرة تتمتع بالتغلغل في المجتمعات المحلية، فضلًا عن قدراتها على استنزاف الجيوش الوطنية في الدول التي تنشط فيها.
- وسط وجنوب آسيا: من المتوقع أن تستمر منطقة وسط وجنوب أسيا ساحة لنشاط لتنظيمات الإرهابية خلال عام 2025، فلا زال تنظيم “داعش خراسان” يمثل التهديد الأكبر في وسط وجنوب آسيا، إذ استطاع التكيف مع هجمات طالبان المتزايدة، وحسن من إمكاناته المالية واللوجستية، وكثف من جهوده في مجال الاستقطاب والتجنيد لمواصلة تهديده العابر للحدود. وتشير الهجمات التي نفذها في موسكو وإيران خلال عام 2024، إلى رغبته في إظهار قدرته على تهديد الأمن الإقليمي من ناحية، وحرصه على التدشين لمرحلة جديدة من نشاطه خلال الفترة القادمة من ناحية أخرى.
أما فيما يخص نشاط تنظيم “القاعدة” في أفغانستان، فنجد أن هناك تباينًا في التقديرات الدولية حوله، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن التنظيم في طور إعادة بناء قدراته العملياتية في أفغانستان، معتبرًا الأخيرة ملاذًا آمنًا لجهوده في التجنيد والتخطيط الخارجي، بينما ترى تقديرات استخباراتية أمريكية أنه الآن “في أدنى مستوياته التاريخية في أفغانستان ومن غير المرجح أن يعود إلى سابق عهده مرة أخرى”، وعلى الرغم من تباين تلك التقديرات واختلافها، إلا أن ما يمكن تأكيده في الوقت الراهن أن القوة الحقيقية لتنظيم “القاعدة” تكمن في قوة فروعه، ومن غير المحتمل على المدى القريب أو المتوسط إعادة إحياء النشاط العملياتي للقيادة المركزية في أفغانستان.
وبالانتقال إلى حركة “طالبان باكستان”، فنجد أنها زادت من حجم عملياتها خلال عام 2024، في ضوء رغبتها في دفع الحكومة الباكستانية نحو الإفراج عن عناصرها في السجون من ناحية، فضلًا عن الضغط الذي تمارسه الأجنحة المتشددة داخل الحركة من أجل الاستمرار في شن هجمات ورفض التفاوض مع حكومة “إسلام أباد” من ناحية أخرى، ومع وجود تلك المحفزات من المتوقع أن تعزز الحركة من هجماتها في المناطق التي تنشط فيها خلال عام 2025.
وتجدر الإشارة إلى تضاءل التهديد الإرهابي في منطقة جنوب شرق آسيا، وذلك بفضل العمليات الأمنية المتواصلة ضد فروع التنظيمات الإرهابية لا سيما التنظيمات التابعة لكل من “القاعدة” و”داعش” في ماليزيا وإندونيسيا والفلبين، حيث ضعفت وتفككت تلك التنظيمات، لكن تظل هناك حاجه للتأكد من انعدام قدراتها على إعادة ترتيب صفوفها مرة أخرى.
اتجاهات صاعدة
ثمة اتجاهات صاعدة متعلقة بالظاهرة الإرهابية من المتوقع أن يشهدها عام 2025، يمكن استعراضها على النحو التالي:
- الإرهاب المحلي مقابل العالمي: منذ عام 2021، تصاعدت العديد من التوقعات المتعلقة باحتمالية صعود الإرهاب المحلي مقابل الإرهاب العالمي، وذلك على خلفية الهزائم التي منيت بها التنظيمات الإرهاب المعولم، حيث خسر تنظيم “داعش” جل سيطرته المكانية في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه، لم ينفذ تنظيم “القاعدة” أي هجوم إرهابي واسع في الغرب منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، ومن ثم بدأت بعض التنظيمات الإرهابية تعيد النظر في استراتيجيات حركتها، حيث أدركت أن الانتماء إلى تنظيم “القاعدة” وتنظيم “داعش” يحرمها من الشرعية السياسية الدولية اللازمة لتحقيق مكاسب سياسية.
وبالنظر إلى تجربة “هيئة تحرير الشام” فنجد أنها عملت على فك ارتباطها بتنظيم “القاعدة” منذ يوليو 2016، وركزت على سياقها المحلي وأصبح هدفها الأساسي إسقاط نظام “بشار الأسد”. وبالتالي مع النجاح الذي حققته والمتمثل في صعودها كحاكم فعلى للسوريا، من المرجح أن تتبع التنظيمات الإرهابية النهج ذاته، لا سيما وأن عدد من الأفرع التابعة لتنظيم “القاعدة” قدمت المباركة والتهنئة للحركة على النجاح الذي حققته.
وبالتالي فإن تحول بعض التنظيمات الإرهابية إلى التركيز على واقعها المحلي يمثل تهديدًا بالغ الخطورة للدول التي تنشط فيها حيث يفتح آفاقًا جديدة أمام الإرهابيين، بما يستدعى تطوير استراتيجيات المكافحة للتكيف مع التغييرات المستقبلية. ومع ذلك، فإن النجاح المستدام لتلك التنظيمات على مستوى الدولة والحكم سيتطلب اعتدالًا يتناقض مع أيديولوجيتها المتطرفة.
- تصاعد الصراع بين التنظيمات: من المرجح أن يشهد عام 2025، تصاعد الصراع بين العديد من التنظيمات الإرهابية في مناطق جغرافية مختلفة كسوريا والصومال ومنطقة حوض بحيرة تشاد، ومنطقة ليبتاكو غورما، فبالنسبة للأولى فثمة احتمالية أن يحدث صراع داخلي داخل التحالف الذي تقوده “هيئة تحرير الشام” على خلفية وجود فصائل ترفض النهج البراجماتي الذي تتبعه الهيئة، فقد تسعى الفصائل المتشددة، بما في ذلك العناصر التي تنتمي إلى الحزب الإسلامي التركستاني، إلى الانشقاق ومواصلة عملياتهم الإرهابية، فلا يشير تعاونهم في الإطاحة بنظام “الأسد” أنهم سوف يتعاونوا في الحكم.
وبالنسبة للثانية، فمن المرجح أن تشهد تجدد الصراع بين حركة “الشباب” الصومالية و”داعش الصومال”، وذلك على خلفية سعى الثاني إلى تعزيز قدراته المالية والبشرية، ومن ثم تساعد تلك القدرات المعززة لــ”داعش الصومال” على تحدى نفوذه حركة “الشباب” الصومالية” مرة أخرى. إذ أن هناك جولات متعددة للصراع بينهما منذ 2018 نتيجة التنافس على الموارد البشرية واللوجستية.
وبالنسبة للثالثة، فمن المحتمل أن يستمر الصراع الدائر بين “داعش غرب أفريقيا” وفصيل “بوكو حرام”، بقيادة “باكورا دورو”، في ضوء سعى الأخير إلى تعزيز القدرات اللوجستية الخاصة بفصيله من ناحية، ومحاولات الأول التوسع في أراضي خاضعة لسيطرة الثاني من ناحية أخرى.
وبالانتقال إلى ليبتاكو غورما، فنجد أنه على الرغم من حدوث انفراجه محدودة بين جماعة “نصره الإسلام والمسلمين” وتنظيم “داعش الساحل”، حيث تم تسكين الصراع بينهما خلال 2024، لكن من المرجح يصاعد الصراع بينهما مرة أخرى، على خلفية الطموحات التوسعية للثاني التي تتعارض مع خريطة نفوذ الأولى.
- تنامي خطر المقاتلين الأجانب: من المحتمل أن يتنامى خطر المقاتلين الأجانب خلال عام 2025، حيث اكتسبت ظاهرة المقاتلين الأجانب زخمًا واسعًا منذ الثورات العربية في عام 2011، نتيجة تعدد الصراعات التي تم توظيفهم فيها، فضلًا عن انضمام أعداد كبيرة منهم إلى التنظيمات الإرهابية سواء في الشرق الأوسط أو في أفريقيا، بما انعكس على تعقد الصراعات وإطالة أمدها. وقد عُدّ قرار “هيئة تحرير الشام” بمنح رتبًا عسكرية للمقاتلين الأجانب في صفوفها، تأكيدًا على النجاح الذي حققه هؤلاء، وبالتالي يمثل هذا التحرك حافزًا معنويًا وإشارة مشجعة للمقاتلين الأجانب العابرين للحدود الوطنية في مناطق جغرافية مختلفة، من أجل تعزيز نشاطهم لتحقيق نجاحات مماثلة.
وفي صعيد موازٍ، لا يمكن إغفال التهديدات المرتبطة بالعائدين من “داعش” أيضًا، حيث قدرت القيادة المركزية الأمريكية خلال عام 2024 أن عدد مقاتلي “داعش” في سوريا والعراق بنحو 2500 عنصرًا، ولا يزال هناك نحو 9000 عنصر من عناصره محتجزين في أكثر من 20 منشأة احتجاز في شمال شرق وشرق سوريا، تحت حراسة “قوات سوريا الديمقراطية” مع وجود حوالي 42 ألف فرد آخر من عائلات مقاتلي التنظيم في المعسكرات والمخيمات.
وفي حال نجاح هؤلاء في الانتقال من سوريا سواء لبلدانهم الأصلية أو لأي بلد أخر فثمة تهديدات أمنية واسعة مرتبطة بهم، إذ تكمن خطورتهم في ضوء جملة من العوامل، يتعلق أولها باحتمالية تنفيذ عمليات إرهابية، قد تتخذ نمط “الذئاب المنفردة” أو نمط “الإرهاب الانتحاري”. وينصرف ثانيها إلى التجنيد ونشر الفكر المتطرف، ويتصل ثالثها بتدشين حلقات وصل بين التنظيمات الإرهابية في الداخل والخارج.
- تنامي عمليات الإرهاب المنفرد: من الصعب الجزم بأن هجوم “نيو أورليانز” الذي وقع في الساعات الأولى من بداية عام 2025، على إثر اصطدام شاحنة صغيرة يقودها شخص متأثر بأفكار تنظيم “داعش”، بالحشود المتجمعة في شارع بوربون في قلب الحي الفرنسي بمدينة نيو أورلينز الأمريكية، يشير إلى “موجة جديدة” من الهجمات المستوحاة من تنظيم “داعش” في الغرب، لكن لا يمكن إغفال وجود مؤشرات على احتمالية تنامي عمليات الإرهاب المنفرد لا سيما مع التهديد المتطور الذي تشكله الخلافة الرقمية التابعة لتنظيم “داعش” ودعواتها المستمرة إلى استهداف الغرب، وقد أسفر التحول من الأراضي المادية إلى المجالات الرقمية عن صعوبة اكتشاف العناصر التي تعمل بشكل مستقل ولكنها متأثرة بالأيديولوجيات المتطرفة.
وفي هذا السياق، حذر تقييم التهديدات الداخلية لعام 2025 الذي أجرته وزارة الأمن الداخلي الأمريكية في أكتوبر 2024، إلى أن التهديد المتمثل في الإرهاب المحلي والأجنبي في الداخل لا يزال مرتفعًا، مع احتمال تنفيذ “المجرمين المنفردين والمجموعات الصغيرة” عدد من الهجمات.
وقد أرجع التقييم تنامى الإرهاب المنفرد إلى جملة متضافرة من العوامل، أبرزها استمرار دعوات تنظيمي “القاعدة” و”داعش” لاستهداف الغرب، ناهيك عن التأثيرات الممتدة للعدوان الإسرائيلي على غزة. وتكمن خطورة هذا النمط من الإرهاب ليس في انخفاض تكلفته فقط، بل إنه من الصعب أيضًا على الوكالات الأمنية والاستخباراتية اعتراضه، لأنه غالبًا ما يفتقر إلى المسار اللوجستي المرتبط بالمخططات الأكبر حجمًا والأكثر تنسيقًا.
مجمل القول، إن التهديد الذي تشكله التنظيمات الإرهابية يعد تهديدًا مستمرًا من المرجح أن يتزايد أو يتراجع استجابة للأحداث الجيوسياسية من ناحية وسياسات مكافحة الإرهاب من ناحية أخرى، وبالتالي من المؤكد أن تلك التنظيمات سوف تستمر في لعب أدوار واسعة في الجغرافيا السياسية على المدى القريب والمتوسط، وتظل السياقات المجتمعية عنصرًا حاسًما في خلق بيئات حاضنة أو رافضة لنشاط تلك التنظيمات، ما يستدعي اتباع سياسات من شأنها علاج الأسباب الرئيسية التي تغذي التطرف والإرهاب.