تُظهر استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية حول الانتخابات الجارية اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر (2019)، تقدمًا ملحوظًا لحزب “يسرائيل بيتينو” أو “إسرائيل بيتنا” بزعامة وزير الدفاع السابق “أفيجدور ليبرمان”. ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة متشابكة. أحد هذه العوامل هو نجاح “ليبرمان” في انتهاج مجموعة من السياسات التي أخذت شكلًا دعائيًّا، ما مكنه من تحقيق بعض النقاط التي انعكست بدورها في نتائج الاستطلاعات. فقد قفز حزب “يسرائيل بيتينو” -وفقًا لهذه الاستطلاعات- من 5 مقاعد فقط إلى 10 مقاعد في الأسبوع الأول من سبتمبر 2019. وظل هذا الرقم الأخير يتأرجح بين (9) و(10) مقاعد في الأسبوع الثاني من سبتمبر 2019.
ولا يُشكل التقدم الملحوظ للحزب في نتائج الاستطلاعات “الهالة” السياسية التي تحيط بـ”ليبرمان” وأهمية حزبه في هذه الانتخابات، بقدر ما تشكل هذه الهالة الاستراتيجية التي انتهجها “ليبرمان” في التعاطي مع المشهد السياسي والأمني الإسرائيلي، والتي أعطت لحزبه ثقلًا نوعيًّا ودورًا مستقبليًّا في حسم تشكيل الائتلاف الحكومي القادم، سيما وأنه سيترافق مع الإعلان عن الشق السياسي لصفقة القرن، بحسب ما أكدّه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.
لذا من المهم هنا الوقوف على مضمون استراتيجية “ليبرمان” التي منحت انطباعًا خاطئًا لدى الجمهور الإسرائيلي بتغريد “ليبرمان” خارج أي سرب أيديولوجي في إسرائيل (سواء التيارات اليمينية أو الوسط أو اليسار)، ومحاولة البحث وراء المجموعات التصويتية التي تؤهله لتقلد مرتبة متقدمة (المرتبة الثالثة بعد حزب الليكود 32 مقعدًا، وحزب أزرق أبيض 31 مقعدًا) في قائمة الأحزاب حسب أحدث نتائج استطلاعات الرأي التي أُجريت في السادس من شهر سبتمبر الجاري.
صعود غير هادئ
كان “أفيجدور ليبرمان” من أكبر المستفيدين من عملية إعادة الانتخابات بعد فشل “نتنياهو” في تشكيل الائتلاف الحكومي في أبريل 2019. فبحسب استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة “يسرائيل هايوم” (المقربة من نتنياهو) وقناة “آي 24″، حصل “ليبرمان” على 11 مقعدًا. في حين حصل معسكر اليمين (برئاسة حزب الليكود) على 58 مقعدًا، وحصل معسكر اليسار (برئاسة حزب أزرق أبيض) على 51 مقعدًا. ويعني ذلك أن كلا المعسكرين لا يمكنهما -حسب نتائج هذه الاستطلاعات- تشكيل ائتلاف حكومي. إذ لا يزال كلا المعسكرين أقل من 60 مقعدًا. لذا يمكن اعتبار حزب “يسرائيل بيتينو” هو المتحكم شبه الوحيد في طبيعة الحكومة القادمة في حالة عدم الاتفاق على تشكيل حكومة وطنية موحدة، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل؛ أهمها: عدم إعلانه الانضمام إلى أي المعسكرين بعد، وكذلك تأثيره على اتجاهات الأحزاب الإسرائيلية الأخرى، وأبرزها حزب أزرق أبيض؛ إذ بدأ “بيني جانتس” (الرجل الأول في حزب أزرق أبيض) يهاجم الأحزاب الدينية المتشددة أسوة بالخطاب السياسي لليبرمان.
وبما أن نتائج الاستطلاعات الأخيرة تمنح الحزب ما بين 9 إلى 10 مقاعد، ومن المتوقع أن تصل إلى 11 مقعدًا؛ فإن ذلك يُعَدّ صعودًا ملحوظًا يُحسب لزعيم الحزب “أفيجدور ليبرمان”؛ لا سيما بعد أن حصل في نتائج الانتخابات الرسمية في أبريل 2019 على 5 مقاعد فقط.
وهذا الصعود لم يكن صعودًا “هادئًا”، إن جاز التعبير، فقد انتهج “ليبرمان” مجموعة من السياسات بهدف الوصول إلى استراتيجية محددة، واعتمد في الترويج لسياساته على خطابات سياسية حادة؛ بهدف الوصول إلى أكبر شريحة يهودية ممكنة، دون الاعتماد على الشرائح الإسرائيلية ذات الأصول الروسية. ويمكن عرض هذه السياسات فيما يلي:
1- الهجوم على التيار اليميني المتشدد: لم يتوانَ “أفيجدور ليبرمان” عن الهجوم على الأحزاب اليهودية المتشددة، من خلال خطاب سياسي حاد. وقد تضمن هذا الخطاب هجومًا على الشريعة اليهودية، مما مكّنه من الظهور وكأنه “بطل العلمانية” في إسرائيل. لكنه وازن هذه السياسة بالتشديد على أهمية فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ورفضه إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
2- العداء مع “نتنياهو”: استمر “ليبرمان” في الهجوم على سياسات “نتنياهو” الأمنية، خاصة في التعاطي مع تهديدات حركة حماس في مواجهة مستوطنات غلاف غزة، حيث يطالب “ليبرمان” في كل مناسبة بالقضاء على حماس. كما انتقد اتجاه “نتنياهو” لتوسيع المناصب الوزارية في حكومته لاعتبارات سياسية على حساب النفقات، الأمر الذي دفع “ليبرمان” إلى تبني برنامج انتخابي يقر في بنده الأول في المجال السياسي بتقييد عدد الوزراء ونوابهم. أخيرًا، لم يُخفِ “ليبرمان” تقربه من قيادات حزب الليكود، باستثناء “نتنياهو”، بهدف الإطاحة بالأخير وتشكيل حكومة ائتلافية تضم حزبي الليكود و”يسرائيل بيتينو”.
وعلى الرغم من تعدد مستويات العداء بين “نتنياهو” و”ليبرمان”؛ إلا أن ذلك لم يمنع “ليبرمان” من طمأنة الجماهير اليهودية بأنه لا يستبعد حكومة تجمع بينه وبين “نتنياهو”.
3- الإعلان عن شروط الحزب: بعد سلسلة الخطابات السياسية الحادة لليبرمان ضد الأحزاب اليمينية بما فيها حزب الليكود، صعدت أسهم حزب “يسرائيل بيتينو”، وتفوق على عدد من أحزاب الوسط واليمين المتشدد، ليحصل في الاستطلاعات التي أجريت في الأول من سبتمبر الجاري على 8 مقاعد تقريبًا (حسب استطلاع القناة 13). ويعني ذلك تنامي الإدراك لدى قيادات الحزب بأنه سيكون لهم دور حاسم في تشكيل الحكومة الائتلافية؛ لذا أعلن “ليبرمان” في الثاني من سبتمبر عن شروط انضمام الحزب إلى أي حكومة مستقبلية. وقد شملت هذه الشروط: القضاء على حماس من خلال سياسة اغتيال القيادات، وتطبيق خطة أمنية عسكرية محكمة لتحصين الحدود الشمالية مع لبنان، وتنفيذ قانون إعدام منفذي العمليات، والتطبيق الصارم لقانون التجنيد (أي إدخال الحريديم الجيش الإسرائيلي). وأسهم بطبيعة الحال إعلان الحزب عن هذه الشروط في تعزيز موقعه بين الأحزاب في نتائج الاستطلاعات.
حكومة موحدة؟
أثناء مطالعة البرنامج الانتخابي لحزب “يسرائيل بيتينو” نلاحظ عبارة مهمة في مقدمة البرنامج تقول: “السعي لإقامة حكومة موحدة تجمع تكتلات وأحزابًا من تيارات متعددة”، ويمكن إرجاع تأكيد الحزب على هذه العبارة إلى سببين؛ الأول: هو توجس الحزب من الذهاب إلى فصل ثالث من الانتخابات المبكرة بسبب تأزم المشهد وتعقد الاتصالات بين الأحزاب. السبب الثاني: هو استقبال لإعلان الولايات المتحدة لصفقة القرن التي تحتاج إلى إجماع إسرائيلي.
ولذا من غير المستبعد أن يعمل “ليبرمان” على توفيق وجهات النظر بين حزب الليكود بزعامة “نتنياهو”، وتكتل أزرق أبيض بزعامة “بيني جانتس”. سيما وأن “ليبرمان” أكد في تصريح له قبل ذلك أنه لا يستبعد حكومة تضم حزبه برئاسة “نتنياهو”، ولكنه في مقابل ذلك وافق على عقد اتفاق فائض أصوات مع تكتل أزرق أبيض؛ سعيًا منه إلى ترجيح كفة “بيني جانتس”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن اتفاق فائض الأصوات هو عبارة عن اتفاق بين قائمتين مرشحتين للكنيست أو لسلطة محلية فيما يتعلق بفائض الأصوات، بمعنى توزيع المقاعد المتبقية بعد احتساب أصوات المصوتين بين قائمتين عبرتا نسبة الحسم التي تصل إلى 3.25%. ويتم توزيع المقاعد بموجب حجم القائمة الأكبر بما ينقصها من أصوات. ويتم إبرام اتفاق فائض الأصوات قبل بدء الانتخابات ويتوجب نشره على الملأ، طبقًا للقوانين. ويمكن إبرام مثل هذا الاتفاق فقط بين قائمتين.
ختامًا، يبقى التأكيد على مجموعة من النقاط المهمة، وهي: أنه ليس من المؤكد حصول “ليبرمان” على العدد المتوقع من المقاعد (10-11 مقعدًا)؛ سيما وأن حزب الليكود اخترق المجتمعات الروسية ويسعى لكسب أصواتها. كما لا يمكن القطع بسيناريو نجاح تشكيل حكومة موحدة؛ وذلك لأمرين؛ أولهما: أن فرص نجاح هذا النوع من الحكومات ضعيفة للغاية، فعلى المستوى التاريخي لا يُذكر أن نجحت حكومة موحدة في الاستقرار أكثر من عامين. كذلك فإن هذا السيناريو يعتمد على قبول “نتنياهو” للفكرة وتوزيع المقاعد ورئاسته للحكومة، وإلا ألقى “نتنياهو” بسيناريو الفوضى، أي التشكيك في نزاهة الانتخابات بعد أن رفض الكنيست قانون الكاميرات ومراقبة لجان الاقتراع.
لكن إذا نجح “ليبرمان” في تشكيل حكومة موحدة تجمع الليكود، وتكتل أزرق أبيض، وحزب يسرائيل بيتينو بالطبع؛ فسيكون لذلك السيناريو تأثير على وقائع طرح صفقة القرن الأمريكية على المجتمع الإسرائيلي.
باحث بوحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية