يُوافق 17 ديسمبر لعام 2020 مرور خمس سنوات على صدور النتائج الرئيسية للمراجعة الداخلية لجماعة الإخوان في المملكة المتحدة، إذ كَلّف “ديفيد كاميرون” (رئيس الوزراء البريطاني آنذاك) في أبريل 2014، بإجراء مراجعة داخلية لجماعة “الإخوان المسلمين”، بما في ذلك تاريخها وأيديولوجيتها وتنظيمها وأنشطتها في المملكة المتحدة وخارجها، وتم إعلان نتائجها في 17 ديسمبر 2015.
أُجريت المراجعة من قبل اثنين من كبار الموظفين الحكوميين في المملكة المتحدة وهما: السير “جون جينكينز” (سفير المملكة المتحدة في السعودية في ذلك الوقت)، والسيد “تشارلز فار” (المدير العام لمكتب الأمن ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية آنذاك)، وقام الأول بتقييم جماعة “الإخوان المسلمين” والمجموعات التابعة لها في الخارج، بينما استهدف الثاني التدقيق في تاريخ وأنشطة وأيديولوجيا وتأثير شبكة “الإخوان المسلمين” والمجموعات التابعة لها في المملكة المتحدة.
اعتمدت المراجعة على منهجية قائمة على مشاورات واسعة النطاق؛ إذ زار السير “جون جنكينز” اثنتي عشرة دولة والتقى بممثلي الحكومات والحركات السياسية والزعماء الدينيين والأكاديميين وغيرهم من الخبراء المستقلين. كذلك تم توفير المعلومات من قبل العديد من مكاتب وزارة الخارجية، ووكالات الأمن والاستخبارات البريطانية. بالإضافة إلى استشارة المؤلفين لممثلين عن جماعة “الإخوان المسلمين” وغيرها من الحركات الإسلامية في المملكة المتحدة وخارجها. كما تمت الاستعانه بعدد كبير من المصادر الأكاديمية عبر الإنترنت باللغات الإنجليزية والعربية ولغات أخرى.
وردًا على هذا التقرير، نشرت لجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس العموم البريطاني تقريرها السادس لجلستها 2016-2017 حول “الإسلام السياسي”، ومراجعة “الإخوان المسلمين”، في 7 نوفمبر 2016. وركزت في ذلك التقرير على استعراض محاور هامه منها: تعريف الإسلام السياسي، والشفافية والإسلامي السياسي، والعنف والإسلام السياسي، بجانب تفنيد تقرير “مراجعة الإخوان المسلمين”، حيث أشارت في تفنيدها إلى اعتقاد الإسلاميين السياسيين أن المملكة المتحدة قد أجرت مراجعة “الإخوان المسلمين” لاسترضاء الحلفاء الإقليميين الذين اعتبروا الجماعة منظمة إرهابية، وعلى رأسها مصر والإمارات والسعودية، الأمر الذي دفع بعض الشهود إلى استنتاج أن نتائج التحقيق محددة سلفًا.
وفي ضوء تلك المعطيات تسعى هذه الورقة البحثية إلى استعراض النتائج الرئيسية لتقرير جماعة “الإخوان المسلمين” عبر أربعة محاور رئيسية، مع إلقاء الضوء على التفنيد الصادر عن لجنة الشئون الخارجية، في محاولة لتقديم قراءة وتفسير لذلك المشهد المركب المتشابك.
جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر
في هذا المحور تناول السير “جون جنكينز” تاريخ جماعة “الإخوان المسلمين” وأيديولوجيتها وهياكلها التنظيمية، إذ تأسست الجماعة في مصر عام 1928 على يد “حسن البنا”، الذي تبني خطاب قائم على الإصلاح الديني والأخلاقي التدريجي للمجتمعات الإسلامية، ومن ثَمّ التحول السياسي في نهاية المطاف إلى تدشين خلافة إسلامية قائمة على تطبيق الشريعة. وقد جادل “البنا” بأن العلمنة والتغريب هما أساس كل المشاكل المعاصرة للمجتمعات العربية والإسلامية، وأن القومية لم تكن هي الحل.
تتبع السير “جنكينز” تاريخ الجماعة في مصر منذ تأسيسها، مرورًا بحلها في عهد “عبد الناصر”، وصولًا إلى إعادة دمجها في الحياة السياسة في عهد “السادات”. إذ توسعت في مصر خلال سبعينيات القرن الماضي، وأقامت موطئ قدم داخل النظام السياسي المصري، وسيطرت على المنظمات الطلابية والنقابات المهنية، كما أسست شبكة كبيرة وسرية من المؤسسات التجارية والشركات الصغيرة والجمعيات الخيرية.
وبالنظر إلى تجربة “الإخوان المسلمين” عند وصولهم إلى السلطة في مصر من خلال حزب “الحرية والعدالة” بين عامي 2011 و2013، خلص السير “جنكينز” إلى أن الجماعة في مصر لم تفعل ما يكفي لإظهار الاعتدال السياسي أو الالتزام بالقيم الديمقراطية، إذ فشلت في إقناع المصريين بكفاءة عناصرها. وبتسليط الضوء على الهيكل التنظيمي لجماعة ” الإخوان المسلمين” توصل “جنكينز” إلى أنها نظمت نفسها منذ تأسيسها في هيكل سري واستمر هذا الهيكل السري والمركزي ذا التسلسل الهرمي حتى يومنا هذا.
غير أن لجنة الشئون الخارجية في تعليقها على تلك النتائج، فسرت ذلك الهيكل السري للجماعة جاء كنتيجة للقمع الذي تعرضت له الأخيرة في مصر وفي عدد من بلدان الشرق الأوسط منذ نشأتها إلى وقتنا هذا.
“الإخوان المسلمون” عالميًا
في هذا المحور استعرض السير “جنكينز ” التمدد الدولي لجماعة “الإخوان المسلمين”، إذ أشار إلى تأسيسها لشبكة دولية داخل وخارج العالم الإسلامي منذ خمسينيات القرن الماضي. وأصبحت أوروبا قاعدة مهمة لشبكتها العالمية المتنامية، وظل المرشد الأعلى لجماعة “الإخوان المسلمين” المصرية -على الأقل من الناحية النظرية- الزعيم الروحي للحركة ككل. وقد سيطر إخوان مصر (ولا يزالون) على مكتب الإرشاد الدولي الذي تضاءل تأثيره في الوقت الحالي. ومن ثم، وفر وجودهم الدولي المشتت الوسائل لإعادة تجميع صفوفهم والتعافي من النكسات في مصر وأماكن أخرى.
وقد تتبع السير “جنكينز “العلاقات التاريخية المعقدة بين فروع “الإخوان المسلمين” والحكومات في العالم الإسلامي، وتوصل إلى أن وضع الجماعة مختلف طبقًا للسياقات التي تتواجد بها؛ ففي بعض الدول العربية، أصبحت الجماعة الآن تنظيمًا إرهابيًا محظورًا. وفي دول أخرى، يُعد وجودها قانونيًا وسياسيًا. وفي سياق ثالث، ترتبط الجماعة بحركة “حماس” (التي تم حظر جناحها العسكري في المملكة المتحدة كتنظيم إرهابي) إذ يُشير الميثاق التأسيسي لحركة “حماس” إلى أنها الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، ومن ثم كان دعم حركة “حماس” (بما في ذلك التمويل على وجه الخصوص) أولوية مهمة للجماعة وتنظيمها الدولي خلال السنوات العشر الماضية.
وتوصل “جنكينز ” إلى أن الشبكة الدولية للإخوان المسلمين تؤدي الآن مجموعة من المهام؛ فهي تعمل على الترويج لإيديولوجية الجماعة عبر المنصات الإعلامية من ناحية، بالإضافة إلى توفيرها الدعم المالي من ناحية اخرى، وتوفيرها ملاذًا لأعضاء الإخوان الذين غادروا موطنهم الأصلي من ناحية ثالثة. غير أن لجنة الشئون الخارجية في تفنيدها لنتائج المراجعة لفتت إلى أن تلك النتائج تقلل من درجة التشبيك الذي تستخدمه الشبكات العالمية لجماعة “الإخوان المسلمين”، إذ أن هناك جهودًا متضافرة لإخفاء هوية تلك الشبكات. وخلصت إلى أن الغموض الذي يكتنف هذا الهيكل الدولي يجعل من الصعب معرفة أي الجماعات حول العالم تنتمي لجماعة “الإخوان المسلمين”.
“الاخوان المسلمون” والعنف والإرهاب
سعى السير “جنكينز” إلى تقييم العلاقة بين جماعة “الإخوان المسلمين” والإرهاب؛ إذ وجد أن تلك العلاقة هي علاقة معقدة وظرفية. وقد تناول تلك العلاقة في نقاط محددة، سوف يتم استعراضها على النحو التالي:
- وافق “حسن البنا” على توظيف العنف لتحقيق المكاسب السياسة، إذ شنت عناصر الجماعة هجمات، ضد أهداف تابعة للدولة المصرية والمصالح البريطانية واليهودية على حد سواء.
- استند المُنظر الرئيسي للجماعة “سيد قطب”، إلى فكر المُنظر الهندي الباكستاني “أبو الأعلى المودودي” (مؤسس الجماعة الإسلامية) القائم على تعزيز عقيدة التكفير، واستخدام العنف في السعي لتحقيق مجتمع إسلامي مثالي. واعتبر الأول العديد من الدول الإسلامية المعاصرة “غير إسلامية”، لذا كانت المواجهة مع حكامها “الظالمين” شرعية لا مفر منها.
- أعادت بعض العناصر في جماعة “الإخوان المسلمين” تفسير آراء “قطب”، لكن لم يتم التبرؤ منها من قبل الجماعة، إذ لا تزال تحظى بتأييد صريح من قبل العديد من الشخصيات البارزة فيها، وقد ألهم تفكير “قطب” العديد من المنظمات الإرهابية
- دافعت جماعة “الإخوان المسلمين” على كل المستويات عن هجمات حركة “حماس” ضد إسرائيل، وسهلت تمويلها.
- انتقد بعض أعضاء الجماعة (بشكل رئيسي في دول غير مسلمة) تنظيم “القاعدة” بشدة، لكن في المقايل زعمت قيادات أخرى في الجماعة أن هجمات 11 سبتمبر ملفقة من قبل الولايات المتحدة، وأن ما يسمى بـ “الحرب على الإرهاب” هو ذريعة لمهاجمة المسلمين.
وتوصل السير “جنكينز” إلى أن الجماعة فضلت التغيير التدريجي غير العنيف، وذلك في ضوء قناعتها بأن المعارضة السياسية ستختفي عند اكتمال عملية الأسلمة، غير أنها مستعدة لتأييد العنف من وقت لآخر حينما يكون التغيير التدريجي غير فعال. هذا بجانب دعمها عن قصد وعلنًا حركة “حماس” التي تم حظر جناحها العسكري في المملكة المتحدة كتنظيم إرهابي، وتم حظرها بالكامل من قبل دول أخرى. كذا استُخدمت كتابات منظري الجماعة لإضفاء الشرعية على الإرهاب المرتبط بتنظيم “القاعدة”، وأيد بعض أعضائها البارزين الهجمات على القوات الغربية. وفي النهاية خلُص إلى أنه لم يكن من الممكن التوفيق بين هذه الآراء وادعاء جماعة “الإخوان المسلمين” المصرية بأن “جماعة الإخوان المسلمين تمسكت باستمرار بالوسائل السلمية للمعارضة ونبذ جميع أشكال العنف طوال فترة وجودها”
وفي تفنيدها لتلك النتائج، أفادت لجنة الشئون الخارجية بأن المراجعة بالغت في التأكيد على العلاقة بين جماعة “الإخوان المسلمين” والعنف. كذلك وجدت أن المراجعة ونتائجها الرئيسية ستضر بصورة المملكة المتحدة في الخارج، وذلك لأن المملكة المتحدة أجرت تحقيقًا في ممارسة “الإخوان المسلمين” المتصورة للعنف، ولكن ليس العنف الذي مُورِس ضدهم بعد إزاحتهم من السلطة في عام 2013، من خلال التدخل العسكري. وقد سعت اللجنة إلى تفسير علاقة جماعة “الإخوان المسلمين” بحركة “حماس”، في ضوء ما اشار إليه العديد من الشهود، إذ أكدوا أن جماعة “الإخوان المسلمين” ليست وحدها في المنطقة التي تدعم حركة “حماس، ولا سيما في ضوء أهمية وحساسية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفيما يتعلق بإلهام كتابات “سيد قطب” للتنظيمات الإرهابية، أشارت اللجنة إلى أن “قطب” كتب في مجموعة واسعة من الموضوعات، ويحظى بتقدير كبير من قبل بعض الإسلاميين لجوانب أخرى من عمله التي لا تتعلق بالضرورة بالعنف. كذلك أكدت على أن قيادة “الإخوان المسلمين تنكرت” رسميًا من كتاباته التي ارتبطت بالعنف، وذلك بشكل أساسي من خلال نشر كتاب “دعاة لا قضاة” لحسن الهضيبي (المرشد الأعلى للإخوان آنذاك) في عام 1969. وأكدت على إمكانية أن يكون الإسلام السياسي في بعض البلدان -بناءً على تجربة تونس- وسيلة لتوفير بديل ديمقراطي للتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ورواية مضادة للأيديولوجيات الأكثر تطرفًا. وخلصت إلى أن جماعة “الإخوان المسلمين” غير عنيفة في الأساس، ومن ثم اوصت وزارة الخارجية البريطانية بفتح قنوات اتصال مع المسئولين المنتميين إلى الجماعة.
“الإخوان المسلمون” في المملكة المتحدة
درس “تشارلز فار” بالتفصيل تطور “الإخوان المسلمين” وأيديولوجيتهم وأنشطتهم في المملكة المتحدة، إذ وجد أن المنظمات المرتبطة بجماعة “الإخوان المسلمين” تأسست في المملكة المتحدة (وأماكن أخرى في أوروبا) منذ أكثر من خمسين عامًا، وكانت تتألف بشكل رئيسي من المنفيين والطلاب الأجانب. وقد عملت عن كثب مع نظرائها في جنوب آسيا، ولا سيما ” الجماعة الإسلامية ” التي أسسها “أبو الأعلى المودودي”، حيث اعتبروا أنفسهم حركة إسلامية واحدة. وفي مرحلة تكوينها الأولى، لم تكن نشطة سياسيًا في المملكة المتحدة، إذ افترض العديد من أعضائها أنهم سيعودون إلى موطنهم الأصلي، ولكن كانت أولوياتهم هي تجنيد أعضاء جدد وتثقيفهم (من خلال مجموعات الدراسة) ودعم الإخوان المسلمين في العالم العربي.
وأشار “فار” إلى أن جماعة “الإخوان المسلمين” في أواخر الثمانينيات أوائل التسعينيات اتبعت استراتيجية جديدة للمشاركة المحلية في الدول الغربية، إلا أنها واجهت تحديًا كبيرًا للحصول على الدعم المجتمعي من السلفيين المتشددين الذين عادوا إلى المملكة المتحدة بعد القتال في أفغانستان، حيث اعتبروها غير فعالة، لكن الجماعة كانت حذرة؛ فالهدف المعلن للمشاركة لم يكن فقط الترويج للإخوان المسلمين في الخارج، ولكن أيضًا الحفاظ على استقلالية المجتمعات المسلمة في المملكة المتحدة. وفي هذا السياق، قام “الإخوان المسلمين” في التسعينيات بتأسيس منظمات في المملكة المتحدة للترويج لآرائهم، حيث دشنوا الجمعية الإسلامية لبريطانيا (ISB)، وسيطروا على الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB)، ولعبوا دورًا مهمًا في إنشاء وإدارة المجلس الإسلامي البريطاني (MCB).
وبالنظر إلى نشاط تلك الكيانات، نجد أن الحكومة البريطانية في عام 2009 وافقت على إجراء حوار مع المجلس الإسلامي البريطاني (MCB)، بعد أن وقع المسئول عن مكتب المجلس وثيقة عامة تتغاضى عن العنف ضد أي دولة تدعم حصار الأسلحة على غزة، ومنذ ذلك الحين لم يوجد حوار جوهري بين أي منظمة تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” في المملكة المتحدة والحكومة.
اما بالنسبة للرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB)أصبحت أقل نشاطًا مما كانت عليه بين عامي 2002 و2006، حيث لا تتمتع بنشاط سياسي كبير ولا صلة واضحة بالمجموعات التي وصلت مؤخرًا من مصر أو الإمارات العربية المتحدة.
وفي عام 2014، اقرت بعضوية 600 شخص فقط، وامتلاكها ثمانية دور رعاية اجتماعية (تأسست لأول مرة في المملكة المتحدة في الستينيات). كذلك أقرت بارتباطها بعدد من المساجد، ووجود تسعة فروع لها في المملكة المتحدة. وتجدر الإشارة إلى ارتباطها بمؤسسة “قرطبة”، وهي مؤسسة فكرية مرتبطة بالإخوان (على الرغم من أنها تدعي أنها لا تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين).اما فيما يخص الجمعية الإسلامية في بريطانيا (ISB) نجد أنها نأت بنفسها عن أيديولوجية “الإخوان المسلمين” منذ عام 2001، وشرعت في محاولة الترويج لهوية مسلمة بريطانية ودعم القيم البريطانية.
وجد “فار” أنه اعتبارًا من منتصف عام 2014، تمثل وجود جماعة “الإخوان المسلمين” في المملكة المتحدة عبر مجموعة من المنظمات المرتبطة ببعضها البعض بشكل فضفاض، ولكن بدون قيادة وسيطرة مشتركة أو قائد موحد، وامتد نشاطها في دول أخرى عبر استخدام لندن كقاعدة للأنشطة الخارجية. كذلك وجد أن جماعة الإخوان المصرية قامت بإدارة بعض اتصالات مع “الإخوان المسلمين” في لندن، وتم دعمها من قبل العديد من حركات الضغط والاحتجاج في المملكة المتحدة. كذلك أكد على قيام العديد من جمعيات الإخوان بجمع الأموال في المملكة المتحدة، حيث تشكلت شبكة معقدة من الجمعيات الخيرية المرتبطة بالإخوان المسلمين على مدى سنوات عديدة، تقوم بعضها بجمع الأموال للإخوان المسلمين في المملكة المتحدة، بينما يرتبط عدد آخر منها بحركة “حماس”.
وفي هذا السياق، أشار إلى تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية لمؤسسة Interpal الخيرية البريطانية ككيان إرهابي في عام 2003، وذلك على أساس وجود صلات لها بحركة “حماس”. وقد تم التحقيق مع تلك المؤسسة ثلاث مرات من قبل مفوضية المؤسسات الخيرية في المملكة المتحدة. وفي عام 2006 وجدت المفوضية أن مؤسسة Interpal عضوًا في “اتحاد الخير” والتي تُعد مجموعة واسعة من المؤسسات الخيرية ويعتقد أن لها صلات بحركة “حماس”، وتم تصنيفها في عام 2003 ككيان إرهابي بموجب قانون المملكة المتحدة. ومن ثَمّ اتخذت المفوضية إجراءات تنظيمية ضد مؤسسة Interpal في عام 2009. على الرغم من عدم الاعتراف بها علنًا من قبل جمعيات “الإخوان المسلمين” الخيرية في المملكة المتحدة، وذلك لكونها جزء من البنية التحتية لحركة “حماس” والإخوان.
خلص “فار” إلى ارتباط منظمات “الإخوان المسلمين” في المملكة المتحدة – بما في ذلك الجمعيات الخيرية – بنظرائها في أماكن أخرى في أوروبا، إذ ترتبط الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB) باتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (FIOE) (الذي أنشأته جماعة الإخوان المسلمين في عام 1989) وأنشأ الأخير لاحقًا المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وهو هيئة أخرى للإخوان المسلمين في أوروبا ويهدف إلى تقديم التوجيه الديني والاجتماعي للمسلمين المقيمين في أوروبا. واختتم هذا المحور بالتأكيد على استمرار عمل المنظمات المرتبطة بفكر “المودودي ” في بريطانيا.
الأيديولوجيا والتوقعات
وجد “فار” أن الجماعات والأشخاص في المملكة المتحدة المرتبطين بجماعة “الإخوان المسلمين” تحدثوا في الماضي عن آفاق وطموح تدشين دولة إسلامية في بريطانيا، إلا أن في الوقت الحالي لا يوجد مؤشر على أن “الإخوان المسلمين” أنفسهم ما زالوا يؤمنون بهذا الرأي أو على الأقل يروجون صراحة لتدشين خلافة إسلامية في بريطانيا، حيث ركزت الرواية العامة للإخوان المسلمين في المملكة المتحدة على مهمة أسلمة الفرد والمجتمع أكثر من الدولة.
وأشار “فار” إلى التقرير الكتابي الذي قدمته الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB) للمراجعة، إذ أفادت بأنها تدعم الاندماج الاجتماعي وتشجع الشباب على أن يكونوا مواطنين مسئولين، وهناك بعض الأدلة على أنها حاولت القيام بذلك في مناطق محددة من المملكة المتحدة. ولكن اعتبارًا من يوليو 2014، لم تروج الرابطة الإسلامية أو أي منظمات أخرى مرتبطة بالإخوان المسلمين بشكل واضح وعلني لرؤية المسلمين الذين يعيشون في المملكة المتحدة كمواطنين بريطانيين مندمجين. وفي السياق ذاته، استمرت البعثة الإسلامية في المملكة المتحدة) UKIM) في الادعاء صراحة أنه ليس من الممكن لمسلم ملتزم أن يعيش في ظل نظام حكم غير إسلامي
وجادل بأن على الرغم من عدم ارتباط جماعة “الإخوان المسلمين” بنشاط متصل بالإرهاب في المملكة المتحدة وضدها، إلا أن المنظمات والأفراد المرتبطون بها في المملكة المتحدة دعموا أنشطة حركة “حماس” علانية من جهة، ومن جهة أخرى لم تدحض منظمات “الإخوان المسلمين” في المملكة المتحدة صراحةً أدبيات “سيد قطب”، ومن جهة ثالثة عارضت الرابطة الإسلامية في بريطانيا باستمرار برامج الحكومات البريطانية المتعاقبة لمنع الإرهاب.
الاستنتاجات
استخلص كل من السير “جون جنكينز” و”تشارلز فار” جملة من الاستنتاجات، والتي سوف يتم استعراضها على النحو التالي:
- روجت جماعة “الإخوان المسلمين” لسياسة تهدف إلى فرض أيدولوجيتها ورؤيتها عير اعتمادها على تشكيل الهوية الفردية باعتبارها الخطوة الأولى نحو تغير الوضع القائم الذي استندت إليه الدول القومية الحديثة.
- ركزت جماعة “الإخوان المسلمين” تاريخيًا على إعادة تشكيل الأفراد والمجتمعات من خلال النشاط الاجتماعي والسياسي، إذ انخرطوا في السياسة حيثما أمكن لهم ذلك. لكنهم استخدموا العنف بشكل انتقائي وأحيانًا الإرهاب في السعي لتحقيق أهدافهم، وأكدت روايتهم العامة – لا سيما في الغرب – على المشاركة وليس العنف، حيث أن هناك اختلاف كبير بين لغتهم مع الغرب ولغتهم مع الدول العربية
- لم تسببت تجربة السلطة في مصر في إعادة التفكير في جماعة “الإخوان المسلمين” في أيديولوجيتها أو سلوكها القائم على العنف، إذ تُشير التصريحات الصادرة عن المنصات الإعلامية المرتبطة بالإخوان المسلمين إلى تحريضها عمدًا على العنف.
- الكثير من المعلومات عن جماعة “الإخوان المسلمين” في المملكة المتحدة لا تزال سرية، بما في ذلك العضوية، وجمع الأموال والبرامج التعليمية. لكن شركائها في المملكة المتحدة كان لهم -في بعض الأحيان- تأثيرًا كبيرًا على أكبر منظمة طلابية مسلمة في المملكة المتحدة، والمنظمات الوطنية التي ادعت أنها تمثل المجتمعات الإسلامية، والجمعيات الخيرية وبعض المساجد. وعلى الرغم من تراجع نفوذهم المحلي، فإن المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين ما زالت تمارس تأثيرًا.
- زعم “الإخوان المسلمين” في المملكة المتحدة أن هدفهم دعم الجاليات المسلمة، عبر استخدام لندن كقاعدة للنشاط في أماكن أخرى، لا سيما مع منظمات “الإخوان المسلمين” الأخرى في أوروبا ومصر والأراضي الفلسطينية المحتلة والخليج، إلا أن هذا النشاط يُعد نشاطًا سريًا.
- التزم “الإخوان المسلمين” علنًا بالمشاركة السياسية في المملكة المتحدة، وقد تم تسهيل التعامل مع الحكومة من خلال ما بدا أنه هناك اهتمامًا مشتركًا ضد القاعدة والسلفية المتشددة (على الأقل في المملكة المتحدة). لكن لم يؤخذ في الحسبان دعم جماعة “الإخوان المسلمين” لجماعة إرهابية محظورة (حماس)من جهة، وآرائها حول الإرهاب من جهة أخرى. ومن ثم هناك جوانب من أيديولوجية وتكتيكات “الإخوان المسلمين” في المملكة المتحدة وفي الخارج تتعارض مع القيم والمصالح الوطنية والأمن القومي للملكة المتحدة.
ملاحظات أساسية
في ضوء ما تقدم هناك جُملة من الملاحظات والتعليقات الرئيسية، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
أولًا: قدم تقرير نتائج المراجعة قراءة مختزلة لأفكار “حسن البنا”، حيث أشار إلى تبني “البنا” خطاب قائم على الإصلاح الديني الأخلاقي التدريجي للمجتمعات الإسلامية، إلا أن التوصل إلى حقيقة أفكاره يستوجب تحليل رسائله وكتاباته بصوره أكثر عمقًا يُستدل منها على ماهية أهدافه ودوافعه. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى قول البنا في رسالة المؤتمر الخامس 1938 “إن القوة شعار الإسلام وأول درجاتها قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح.. إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها”. ومن ثَمَ يوضح ذلك الطرح تأصل فكرة العنف في قناعاته، وامتدادها إلى ممارسات جماعة “الإخوان المسلمين”.
ثانيًا: بررت لجنة الشئون الخارجية أن الهيكل السري للجماعة جاء كنتيجة للقمع الذي تعرضت له الأخيرة في مصر وفي عدد من بلدان الشرق الأوسط، إلا أن هذا الطرح يجانبه الكثير من الصواب يمكن تفسيره في ضوء ثلاثة محددات؛ يتعلق أولها باقتران السرية في التنظيمات برغبتها في تشكيل أجنحه عسكرية مسلحة، وهو ما اتبعته جماعة “الإخوان المسلمين”، بداية من تشكيلها للنظام الخاص، وصولًا إلى استخدامها اللجان النوعية بعد فض اعتصام رابعة المسلح. وينصرف ثانيهما إلى عدم تعرض الجماعة لأي قمع وقت انشائها النظام الخاص عام 1939، إذ شارك حسن البنا بشخصه في الانتخابات البرلمانية في مصر، كذا شارك الكثير من رموز الإخوان في الحياة السياسية والمؤسسات المختلفة خاصة التشريعية. ويتصل ثالثهما بتورط عناصرها في عدد كبير من العمليات الإرهابية، وتمت محاكمتهم طبقًا لنصوص القانون المصري.
ثالثًا: فسرت نتائج المراجعة فشل تجربة الجماعة عند وصولها إلى السلطة في مصر، في ضوء عدم قيام الجماعة بإظهار الاعتدال السياسي أو الالتزام بالقيم الديمقراطية، ومن ثم فشلت في إقناع المصريين بكفاءة عناصرها. غير أن هذا التفسير يغفل جزء كبير من إخفاقات الجماعة السياسية والأيديولوجية والتنظيمية. فعلى الصعيد السياسي تحركت نحو الهيمنة السياسية وسعت إلى إقصاء مختلف الفصائل السياسية ولم تستوعب التنوع الكامل للمجتمع المصري. وعلى الصعيد الإيدلوجي، افتقرت إلى المرونة الأيديولوجية لصياغة نموذج سياسي خاص بها. وعلى الصعيد التنظيمي، منعها هيكلها الهرمي الصارم من الاستجابة بنجاح للتغيرات المجتمعية السريعة، حيث عملت على إعطاء الأولوية للولاء لا للكفاءة.
رابعًا: أشارت نتائج المراجعة إلى الغموض الذي يكتنف العلاقة بين جماعة “الإخوان المسلمين” والإرهاب، ويمكن تفسيره في ضوء سعى الجماعة إلى تقديم صورة مفادها وجود انشقاقات بداخلها، بحيث تقدم نفسها للمجتمع الدولي كجناح سياسي سلمي، وتقدم نفسها إلى المتطرفين والإرهابيين كجناح عسكري يسعى إلى تحقيق أهدافه عبر استخدام الإرهاب كوسيلة. وفي هذا السياق تحديدًا تجدر الإشارة إلى بعض ممارسات الجماعة مع وصولها للسلطة في مصر، والتي اظهرت الإرتباط الواضح بينها وبين التنظيمات الإرهابية الأخرى:
- مع تولى الإخواـنى “محمد مرسـى”، مـنصـب رئـيس الجـمهــورية عام 2012 قام بإصدار قرارات عفو عن عناصر إرتبطت بشكل واضح بالإرهاب حيث إصدار عدد “5” قرارات عفو عن أسماء محددة خلال خمسة أشهر مخالفًا لما هو متعارف عليه ( إذ تقوم السلطات المختصة بمراجعة موقف المسجونين والعرض على رئيس الجمهورية)، إلا أنه حدد (810) شخصًا للإفراج عنهم مباشرة دون مراجعة السلطات المختصة منهم على سبيل المثال لا الحصر : “سيد إمام عبد العزيز” (مفتى تنظيم الجهاد)، و”مصطفى أحمد حمزه” (قائد الجناح العسكرى للجماعة الإسلامية).
- قامت مؤسسة الرئاسة خلال فترة حكم “محمد مرسي” بممارسة ضغوط على الأجهزة الأمنية بعدم إتخاذ أى إجراءات ضد القيادى بكتائب عزالدين القسام (الجناح العسكرى لحركة حماس) الفلسطينى “عبدالسلام البطنيجى” (أبوالبراء) عقب إلقاء القبض عليه فى عام 2012 والسماح له بالدخول إلى قطاع غزة.
- دعمت جماعة “الإخوان المسلمين” إرسال العناصر الشابة إلى سوريا تحت مسمى “الجهاد” إستجابة لطلب تنظيم الإخوان السورى وبعض تيارات السلفية الجهادية من أجل كسب تأييدهم فى الحراك السياسى داخل البلاد، وإعطاء الغطاء الرسمى خلال تنظيم مؤتمر ( نصرة سوريــا ) عام 2014، والــذى حضــره “محمد مرسى”، أثناء رئاسته للبلاد مع رمــوز التيارات الإسلامية.
- قادت جماعة “الإخوان المسلمين” إعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة وأعلنت منصة الإعتصام برابعة العدوية بتاريخ 1/8/2013 تأسيس ما أسمته (مجلس حرب فى سيناء) للرد على تفويض الحكومة لوزارة الداخلية بفض الإعتصامين، كما أكدت مبدأ “لا سلمية بعد اليوم”، بالإضافة إلى التصريح الشهير للقيادي الإخواني “محمد البلتاجى” “يتوقف ما يحدث فى سيناء فى اللحظة التى يعود فيها مرسى لقصر الرئاسة”.
- بعد فض اعتصام رابعة المسلحة لجأت جماعة “الإخوان المسلمين” إلى تشكيل لجان نوعية إرهابية تعمل بشكل لا مركزى وفق مخطط عام للتنظيم من أجل القيام بأعمال عنف وتخريب والتعدى على المنشآت العامة وخاصةً المنشآت الشرطية والعسكرية والعمل على استهداف رجال الشرطة والجيش، وتبلور عمل تلك اللجان مع تدشين تنظيمي “حسم” و”لواء الثورة” الأمر الذي ترتب عليه اعلان كل من بريطانيا (ديسمبر 2017)، والولايات المتحدة (فبراير 2018) إدراجهما على قوائم الإرهاب.
خامسًا: يمثل وصف لجنة الشئون الخارجية لثورة 30 يونيو 2013على أساس أنها تدخل عسكري هدف لإزاحة الإخوان من السلطة، تَغافل عن تحرك أكثر من 30 مليون مصري للمطالبة بعزل الرئيس الإخواني من ناحية، وأغفال لخصوصية الواقع المصري والعربي من ناحية أخرى. ومن ثم، لا يجوز غض الطرف عن تلك المؤشرات حال الحديث عن “ثورة 30 يونيو”، لان ذلك يتنافى مع حرية الشعب في تقرير مصيره، وحقه في اختيار من يحكمه، طبقًا لرؤيته وقناعاته والوسائل التي يراها مناسبه لتحقيق ذلك. إذ أن المفاهيم والمصطلحات هي نتاج سياقها وواقعها المحلي والإقليمي.
سادسًا: أشارت لجنة الشئون الخارجية إلى أن ” سيد قطب” كتب في مجموعة واسعة من الموضوعات، ويحظى بتقدير كبير من قبل بعض الإسلاميين لجوانب أخرى من عمله التي لا تتعلق بالضرورة بالعنف، غير أن هذا الطرح يغفل حقائق واضحة عن كتاباته، إذ دشنت كتاباته عن الحاكمية والجاهلية والألوهية كسلطة حاكمة لكل تفاصيل الحياة، الأساس لفكرة الخروج على الدولة والأمة ووضع الشريعة في مواجهة معهما. وتميزت كتاباته بتقديم المنهج الحركي لعمل التنظيمات الإرهابية، حيث تأثر تنظيم “القاعدة” بالرؤية القطبية، وسعى إلى أن يكون الوريث الفعلي للحالة القطبية، وابتدأ بمعاداة أنظمة الشرق الأوسط وتوسيع حملته ضدها، باعتبارها مجتمعات جاهلية، ذلك المصطلح الذي صكه ودشنه “قطب”. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى كتاب “ايمن الظواهري” (زعيم تنظيم القاعدة) “فرسان تحت راية النبي”: إذ قال (أن أفكار مُنظر جماعة الإخوان “سيد قطب”، تمثل بداية تشكل نواة الحركة الجهادية المعاصرة).
سابعًا: أغفلت لجنة الشئون الخارجية الميثاق التأسيسي لحركة “حماس” الذي يُشير إلى أنها الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى قيام جماعة ” الإخوان المسلمين” بالتنسيق مع حركة “حماس” لتنفيذ عمليات إرهابية، تستهدف المواقع العسكرية للجيش المصرى، والأكمنة الأمنية بشبه جزيرة سيناء وباقى محافظات الجمهورية، حيث ساهمت عناصر الإخوان و”حماس” فى تهريب عناصر معروفة بخطورتها لدى الأجهزة الاستخباراتية من السجون المصرية. بجانب توافر معلومات للأجهزة الأمنية بدخول “ممتاز دغمش” (قائد تنظيم جيش الإسلام) إلى سيناء قبل ثورة 30 يونيو وإجتماعه مع القيادى الإخوانى”خيرت الشاطر” وأنه تسلم مبلغ مليون دولار لإشعال جبهة سيناء حال سقوط نظام الإخوان فى مصر.
ثامنًا: قلل تقرير المراجعة من طبيعة دور التنظيم الدولي؛ إذ يتجاوز تأثيره العديد من الدول، بالنظر إلى امتلاكه فروعًًا في مختلف دول العالم، وفي ضوء ذلك التمدد يتبنى استراتيجية قائمة على التغلغل الناعم في المجتمعات الغربية من خلال العديد من الأدوات؛ الثقافية والإعلامية والإجتماعية. ومن ثم تستطيع الجماعة الترويج لإيدلوجيتها من ناحية، والتحريض على الأنظمة المعادية لها من ناحية أخرى، عبر توظيف الأدوات سالفة الذكر داخل الدول التي تتمدد فيها.
تاسعًا: جادلت لجنة الشئون الخارجية بأن الإسلام السياسي يمكن أن يكون في بعض البلدان -بناءً على تجربة تونس- وسيلة لتوفير بديل ديمقراطي للتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلا أن نتائج التجربة التونسية اثبتت خطأ ذلك الطرح، وتمثل ذلك في فشل تجربة “الإخوان المسلمين” المتمثلة في “حزب النهضة” التونسي، وسعى الأخير إلى التمدد والهيمنه على الحياة السياسية واصراره على اقصاء وتهميش الفصائل السياسية الأخرى. ومن ثم يقدم “حزب النهضة” اختيارين للشعب التونسي؛ الاختيار الأول: يتمثل في استحواذه الكامل بما يمكنه من تغير نظام الحكم والانفراد بالسلطة مقابل الاستقرار الوهمي للدولة. الاختيار الثاني: استمراره في التنافس مع الأحزاب الأخرى وعدم تمكنه من الهيمنة الكاملة على كافة المؤسسات مقابل تدميره للحياة السياسية.
عاشرًا: جاء رد الحكومة البريطانية على تعليقات لجنة الشئون الخارجية في ضوء محددين؛ يتعلق أولهما بأن الغرض من المراجعة هو فهم فلسفة وأنشطة وتأثير الجماعة على المصالح الوطنية في المملكة المتحدة، ولم تتضمن اختصاصات المراجعة فحصًا للأحداث في مصر بعد سقوط حكومة “مرسي”. وينصرف ثانيهما الى أن نتائج مراجعة جماعة “الإخوان المسلمين” خلصت إلى أن جماعة “الإخوان المسلمين” المصرية لم تفعل ما يكفي لإظهار الاعتدال السياسي أو الالتزام بالقيم الديمقراطية عندما وصلت إلى السلطة في مصر، كذا وجدت أن جماعة “الإخوان المسلمين” لديها علاقات غامضة مع التطرف العنيف، ومن ثم لا يجب على الحكومة البريطانية التعامل مع جماعة “الإخوان المسلمين” المصرية في هذا الوقت.
حادي عشر: يمكن فهم عدم تصنيف المملكة المتحدة لجماعة “الإخوان المسلمين” كتنظيم إرهابي، على الرغم من تأكيد الحكومة البريطانية على أن الارتباط بجماعة الإخوان يُعد مؤشرًا للتطرف، في ضوء ثلاث محددات؛ يتعلق أولها بتمدد جماعة “الإخوان المسلمين” داخل المملكة المتحدة، لا سيما مع هجرة عدد من كوادر الإخوان من الشرق الأوسط إلى بريطانيا وزيادة استثماراتهم ومشروعاتهم الاقتصادية من ناحية، بجانب تواجدهم في الجامعات البريطانية من ناحية أخرى. وينصرف ثانيها إلى اختلاف اللغة التي تستخدمها الجماعة في المجتمعات الأوروبية عن مثيلتها في المجتمعات العربية، حيث تُصدر الجماعة داخل الأولى نموذجًا قائمًا على المشاركة والحوار، بينما تُصدر داخل الثانية نموذجًا يوظف ويستخدم العنف والإرهاب. ويتصل ثالثها برغبة المملكة المتحدة في استخدام الجماعة كورقة ضغط على بعض الأنظمة العربية.