استقبل المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية في مقره الوفد الممثل عن وزارة الشئون الخارجية الفنلندية ومكتب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي، وذلك يوم الاثنين 6 يونيو 2021، للنقاش حول مسألة مفاوضات سدّ النهضة.
وترأس الوفد سعادة السفيرة لورا كانسيكاس ديبريز سفيرة فنلندا في القاهرة، وصاحبها كلٌّ من السيدة كاتيا ألفورس مستشار أول بمكتب وزير الخارجية الفنلندي، والسيد آنتي راتفارا مدير إدارة شئون المياه الدولة في وزارة الزراعة والغابات الفنلندية، والسيد ديفيد كوربيلا المستشار السياسي بمكتب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي ونيروبي وكينيا، والسيدة بردجيت أوتيري مستشار ونائب رئيس بعثة سفارة فنلندا في القاهرة.
تأتي هذه الزيارة في إطار جولة يجريها الوفد لكل من أديس أبابا والخرطوم والقاهرة، لمتابعة آخر ما وصلت إليه المفاوضات، خاصة بعد تكليف وزير الخارجية الفنلندي بمتابعة القضية من قبل الاتحاد الأوروبي. وبعد أن أجرى الوفد جولة للعواصم الثلاث، التقوا خلالها وزراء الخارجية والموارد المائية والري لدول النيل الأزرق، التقى أعضاء الوفد بخبراء وأعضاء المركز المصري، لتبادل الأفكار والرؤى حول القضية. وأدار النقاش مدير المركز المصري الدكتور خالد عكاشة، وبحضور اللواء محمد إبراهيم نائب المدير العام للمركز، والدكتور عبدالمنعم سعيد رئيس الهيئة الاستشارية، والدكتورة نهى بكر عضو الهيئة الاستشارية، وحضور الدكتور أحمد أمل رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بالمركز، ومشاركة باحثي وحدة الدراسات الإفريقية.
وقد أدار الدكتور خالد عكاشة النقاش المفتوح حول توضيح رؤى ومواقف الدولة المصرية من المسألة، وتمثل تساؤله الرئيسي في معرفة ماهية حدود دور فنلندا وحدود تفويض الاتحاد الأوروبي لوزير خارجية فنلندا للعب هذه المهمة. وقد أشار الوفد إلى أنهم يتابعون ما يجري في المنطقة، خاصة في القضايا الرئيسية الثلاث: الصراع في تيجراي، والتوترات الحدودية بين إثيوبيا والسودان، وكذلك مفاوضات سد النهضة، وذلك لبلورة رؤية تساهم في تحديد أيّ موقف يمكنهم أن يتبنوه.
وفي كلمته، أوضح اللواء محمد إبراهيم موقع قضية سد النهضة من الأمن القومي المصري، وأشار إلى آخر ما تمّ التوصل إليه في المفاوضات، نظرًا لاستمرار الحرص المصري على الخيار التفاوضي بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، مع استعداد مصر الكامل لانتهاج كافة المسارات التي يتيحها القانون الدولي للحفاظ على أمنها المائي. وأشار اللواء محمد إبراهيم إلى اتفاق إعلان المبادئ باعتباره المرجعية القانونية التي لو تفاوضت إثيوبيا بحسن نية لكنا وصلنا إلى حل بعد عشر سنوات من التفاوض، بشكل يتنافى مع منطق قضايا الأمن القومي، نظرًا لطول مدة التفاوض.
أما الدكتور عبدالمنعم سعيد، فشدد على حقيقة كون نهر النيل نهرًا عابرًا للحدود تتشاركه العديد من الدول، الأمر الذي يتنافى معه المنطق الإثيوبي الساعي لمعالجة القضية من مدخل السيادة. وفي ظل طبيعة نهر النيل كنهر دولي، يتعين النظر لآلية تنظيم العشرات من الأنهار الدولية حول العالم، منها الدانوب والأمازون. كما أوضح الدكتور عبدالمنعم سعيد أن مصر ليست لديها مشكلة مع مسألة تنمية إثيوبيا، فمصر تشارك في بناء سدود في دول إفريقيا. كما أشار إلى اتفاقية 1902 باعتبارها حلقة الوصل بين أزمة التفاوض والأزمة الحدودية بين إثيوبيا والسودان، وأضح أن إثيوبيا الدولة الإفريقية الوحيدة التي لم تقع تحت طائلة الاستعمار، باستثناء فترة محدودة من الاستعمار الإيطالي.
كما أوضحت الدكتورة نهى بكر، أسباب القلق من شأن سدّ النهضة وتأثيراته السلبية المتعددة بما يفرضه من مخاطر على الأمن المائي والغذائي والاجتماعي والبيئي، وتداعيات ذلك على الوضع في السودان ومنطقة شرق إفريقيا ككل من موجات اللاجئين والنزوح، وأيضًا الخطر المُتعلق بأزمة المياه، حيث إن وضع السدّ وسعته التخزينية الحالية البالغة حوالي 74 مليار متر مكعب، ستتسبب في حدوث نقص شديد في الحصة المائية لمصر والسودان.
كما سيؤدي سد النهضة إلى فقدان مساحة 7.2 ملايين فدان، بنسبة حوالي 26% من أراضي مصر الزراعية، وتُمثل 10% من الناتج المحلي الإجمالي GDP، ويعمل في الزراعة حوالي 5.6 ملايين مزارعٍ. وبالتالي، ستفقد مصر حوالي 26% من الأراضي الزراعية ويتضرر حوالي 5.5 ملايين من جراء فقدان الأعمال. فضلاً عن فقدان الأراضي الزراعية خصوبتها وإنهاك البنية التحية في ظل عدم المُشاركة والاتفاق على عملية الملء والتشغيل لسدّ النهضة، وكيف سيكون الوضع في حالة الملء الثاني؟.
السفيرة لورا كانسيكاس ديبريز، سفيرة فنلندا في القاهرة
فيما أوضح د. أحمد أمل ما يجري من مشكلات في إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي من خلال الحديث عن أربعة أبعاد للتناقضات الجوهرية في المواقف بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، يتعلق أولها بالرؤية الإثيوبية لاقتصار المفاوضات على سدّ النهضة، وعدم شمولها أي مشروعات مُستقبلية على النيل الأزرق. بينما يرى الموقف المصري ضرورة التوافق بشأن المشروعات المستقبلية على النيل الأزرق حتى لا تتكرر المشكلة في المشروعات القادمة. أما البعد الثاني فيتعلق بالمدي الزمني للاتفاق، حيث تقترح إثيوبيا اتفاقًا جزئيًا مرحليًا، أما مصر فترى ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي وكامل، ويجب ألا يتكرر إلا مرة واحدة إلى الأبد. وعلى مستوى إلزامية الاتفاق اقترحت إثيوبيا أن يكون هناك اتفاق استرشادي، بحيث يمكن التنصل منه وعدم الالتزام به، بينما ترغب مصر في توقيع اتفاق مُلزم قانونيًا. وأخيرًا، ترى إثيوبيا في الطرف الخارجي أنه مُراقب ومُيسر للتفاوض، وتؤكد مصر على ضرورة تدخل الأطراف الخارجية بحلول وأفكار ومُقترحات فعّالة خلال العملية التفاوضية مُباشرةً، وأيضًا ضرورة وجود الضامن الذي يضمن التزام إثيوبيا في ظل تقدير مصر للموقف الداخلي في إثيوبيا وحالة التأزم والصراعات.
وأخيرًا، أشار الوفد إلى استمرار دراسته للموقف بشكل عام حتى يمكنه تكوين رؤية لما يمكن أن يقوموا به، مشيرين لأهمية بحث مقترح تأسيس مفوضية مشتركة لإدارة وتنظيم الانتفاع بموارد نهر النيل بين كل الدول التي تتشارك مياهه.
السيدة كاتيا ألفورس، مستشار أول بمكتب وزير الخارجية الفنلندي
السيد ديفيد كوربيلا، الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي
السيد آنتي راتفار، مدير إدارة شئون المياه في وزارة الزراعة والغابات الفنلندية
السيدة بردجيت أوتيري، مستشار ونائب رئيس بعثة سفارة فنلندا في القاهرة