عوامل كثيرة أدت الى استئناف الحرب على غزة بعد هدنة لم تدم سوى أسبوع واحد وأتاحت إطلاق سراح عشرات الرهائن المحتجزين فى قطاع غزة، لقاء ثلاثة أضعاف عددهم من السجناء الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية. أول هذه العوامل هو عجز الحكومة الإسرائيلية عن تحقيق هدفها المتمثل فى تحرير الأسرى والقضاء على حماس، ما يجعلها مستميتة فى الاستمرار فى حماقاتها بشن حرب وحشية ضد المدنيين. ثانيا، استمرار الهدنة يعنى اعترافا ضمنيا بهزيمة إسرائيل مقابل انتصار معنوى للمقاومة، وضمان موقع جيد لها فى المفاوضات القادمة. ثالثا، استمرار الهدنة او استدامتها يعنى محاسبة رئيس الوزراء الإسرائيلى وخروجه من الحكومة مع تعرضه للمحاكمة سواء فى قضاياه السابقة او حتى على أخطائه وجرائمه فى الحرب على غزة.
تحاول تل ابيب، وفق تصريحات مسئوليها، خلال المرحلة الثانية من الحرب التوغل أكثر فى الجنوب، حيث تزعم بوجود قادة حركة حماس فى جنوب القطاع. وتقول إنها ستخوض حربها بوسائل وأسلحة مختلفة عما يجرى فى الشمال، لأنه يصعب عليها استخدام نفس حجم القوة التى استخدموها فى الشمال بسبب الكثافة السكانية. اما الهدف الرئيسى من هذه الحرب، فهى بحسب الرواية العسكرية الإسرائيلية، تفكيك بنية حماس واستهداف قادتها فى القطاع وتصفية جناحيها العسكرى والسياسي. وضمان ألا تشكل غزة تهديدا لسكان إسرائيل مرة أخرى، من خلال منع أى تهديدات أو إطلاق صواريخ من قبل حماس فى اتجاه إسرائيل.
على الأرض، تبدو مهمة القضاء على حماس مستحيلة. حماس ليست جيشا تستطيع القوات الإسرائيلية تقويض وجوده أو استهدافه بالمعنى العسكري. مجرد الإصرار على القضاء عليها يعنى خلق مقاومة جديدة اقوى، وخلق موجة غير مسبوقة من التطرف. من المتوقع ان ترد حماس على التوغل الإسرائيلى بحرب عصابات، وان تدفع بالقوات الإسرائيلية للتوغل فى مساحات أوسع داخل القطاع من أجل استهدافها. ونتيجة هذه الحرب ستكون حصول كارثة إنسانية جديدة فى ظل وجود ما يقرب من مليونى مدنى، فى ملاجئ مكتظة، معظمهم فى الجنوب.
إسرائيل لا يهمها أرواح المدنيين، ولا تكثرت للأصوات الشعبية التى تنادى بإيقاف هذه الحرب الوحشية. هى لا تقاتل من أجل القضاء على حماس فقط، وإن كانت تتمنى ذلك، إسرائيل تقاتل من اجل ان تبرهن لمواطنيها وللعالم انها الأقوى، حتى وان كانت من تحاربهم مجرد مدنيين عزل. هى تقاتل من أجل ان تضمن تماسك حكومة نيتانياهو وعدم سقوطها. هى تحاول إضعاف المقاومة بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة من أجل فرض شروطها فى اثناء عملية التفاوض، التى ستتم مستقبلا، بخصوص من تبقى من اسرى مدنيين إسرائيليين، وتسليم جثث من قتل منهم، والاهم التفاوض بخصوص العسكريين الإسرائيليين والذين من المتوقع ان يكون المقابل بخصوصهم عاليا، ولما لا إفراغ السجون الإسرائيلية من جميع المعتقلين الفلسطينيين، خاصة قد عرت صفقة تبادل الاسرى الأخيرة نظام السجون فى إسرائيل، وأكدت ما سبق وأنكرته تل أبيب مرارا بخصوص ممارستها التعذيب الممنهج وسوء المعاملة، وممارسة الاعتقال التعسفى.
من المتوقع ان تشهد الأيام المقبلة مزيدا من أعمال القتل والدمار والإبادة الجماعية والعرقية والتهجير القسرى للسكان واستهداف المدنيين وتدمير المنشآت الحيوية، مثل المستشفيات، ومحطات الطاقة، ومرافق المياه. ومن المتوقع ان يستمر المجتمع الدولى فى صمته الموصوم بالعار على جرائم إسرائيل، دون أن تتمكن هذه الأخيرة من تحقيق أى هدف من أهدافها. أما أمريكا التى لا تزال تدافع عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، فهى لم تستطع الدفع بتمديد الهدنة. هى تكتفى الآن بعرض الكيفية التى ينبغى لإسرائيل أن تخوض بها حربها، من خلال اتخاذ خطوات أكثر فعالية لحماية أرواح المدنيين، بما فى ذلك تحديد مناطق وأماكن فى جنوب ووسط غزة بشكل واضح ودقيق، حيث يمكن أن يكونوا آمنين وبعيدين عن خط القصف، كما جاء على لسان وزير خارجيتها.
بعيدا عن لغة التصريحات، ما لن تستطيع أمريكا ضمانه هو التزام تل أبيب بهذه الخطوات فى ظل حرب شرسة مثل تلك التى تشنها ضد غزة، باستخدام الدبابات والضربات الجوية والمدفعية الثقيلة. فى هذه الحالة، كيف ستبرر واشنطن دعمها؟ وكيف ستفسر إسرائيل عدم التزامها؟ وهل سيستمر الصمت الدولى امام هذه المذابح والجرائم؟