أقر صندوق النقد الدولي المراجعة الثالثة لبرنامج التسهيل الائتماني الممتد الممنوح لمصر بقيمة 8 مليارات دولار في اجتماع مجلسه التنفيذي الاثنين. بموجب موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على المراجعة تصبح مصر مؤهلة لسحب الشريحة الثالثة من القرض خلال الأيام القليلة المقبلة بقيمة 820 مليون دولار. بإقرار هذه المراجعة تكون مصر قد تسلمت 1.6 مليار دولار من قيمة القرض منذ موافقة الصندوق على البرنامج في ديسمبر 2022.
أداء الاقتصاد المصري في إطار المراجعة
أكد صندوق النقد أن الظروف الاقتصادية الكلية في مصر منذ إكمال المراجعة الأولى والثانية للبرنامج في مارس قد تحسنت، وأن الضغوط التضخمية في البلاد تشهد انخفاضًا تدريجيًا. حافظت معدلات التضخم السنوية العامة والأساسية على مسارها النزولي خلال الأشهر الأربعة الماضية منخفضة إلى ما دون 30٪ وفقًا لأحدث القراءات المنشورة بواسطة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزي المصري. سجل معدل التضخم السنوي العام 27.1٪ في يونيو نزولًا من 31.8٪ في أبريل.
أكد الصندوق أيضًا على أنه تم القضاء على أزمة نقص العملة الأجنبية في مصر والتي ظلت تعاني منها البلاد لأكثر من عامين بسبب هروب الأموال الساخنة على خلفية تشديد السياسة النقدية خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي جعلت من الفائدة المرتفعة عامل جذب لهذه الأموال. يُذكر أن الحكومة في ظل التوجيهات الرئاسية قد تبنت عددًا من المسارات لحل أزمة نقص العملة كان على رأسها توقيع اتفاق تنمية منطقة رأس الحكمة مع الجانب الإماراتي في فبراير الماضي بقيمة 35 مليار دولار وهي الصفقة الأعلى قيمة تاريخيًا من حيث صفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التي وقعتها مصر.
كما طلبت مصر زيادة قيمة القرض الممنوح من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار ليصبح 8 مليارات دولار وهو ما وافق عليه الصندوق في مارس الماضي وبذلك تصبح قيمة الشرائح الخمسة المتبقية من القرض حتى انتهاء مدة البرنامج في سبتمبر 2026 هي 1.3 مليار دولار. فضلًا عن ذلك تعهد عدد من مؤسسات التمويل الدولية وشركاء التنمية بحزم تمويلية لصالح دعم الموازنة والقطاع الخاص؛ متضمنة البنك الدولي (6 مليارات دولار)، الاتحاد الأوروبي (8 مليارات دولار)، المملكة المتحدة (400 مليون دولار) ضمن آخرين.
صرحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي؛ الدكتورة رانيا المشاط؛ أن مصر نجحت في حشد تمويلات بقيمة 2 مليار دولار لدعم الموازنة خلال الأشهر القليلة الماضية.
ذكر الصندوق أن مصر نجحت في تحقيق المستهدفات المالية في إطار المراجعة بما في ذلك المستهدفات المتعلقة بمشروعات البنية التحتية الكبرى وأن مجمل هذه التطورات قد ساهمت في إيصال رسالة إيجابية للمستثمرين وتصدير أثر إيجابي للقطاع الخاص بالنسبة للأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وقال الصندوق إن توحيد سعر الصرف في السوق المحلية وتطبيق التشديد بالنسبة للسياسة النقدية قد أسهما في الحد من المضاربة في السوق (يقصد هنا نشاط السوق الموازي للعملة) وإبطاء وتيرة ارتفاع الأسعار.
في إطار التزامات مصر أمام الصندوق؛ قام البنك المركزي المصري في مارس الماضي بتطبيق الموجة الرابعة من تخفيض العملة المحلية أمام الدولار. خلال الموجات الأربع منذ مارس 2022 فقدت العملة المحلية أكثر من 50٪ من قيمتها أمام الدولار وهو ما يمثل عامل جذب بالنسبة للمستثمرين خاصة الأجانب للاستفادة من انخفاض العملة. كما قام المركزي بزيادة أسعار الفائدة الأساسية بنسبة 6٪ (600 نقطة أساس) بهدف احتواء التضخم المتزايد في البلاد ليصل إجمالي الزيادة التي طبقها المركزي على أسعار الفائدة منذ مارس 2022 (وقت بدء مفاوضات القرض مع الصندوق) إلى 19٪ (1900 نقطة أساس).
عقب اجتماع لجنة السياسة النقدية الأخير في يوليو الذي أبقى خلاله المركزي على أسعار الفائدة الحالية؛ قال المركزي: إنه رغم عدم تراجع تضخم السلع غير الغذائية بشكل ملحوظ، فإن تباطؤ معدلات التضخم في الفترة الحالية يرجع إلى انحسار الضغوط التضخمية الناجمة عن صدمات العرض والذي ساهم بدوره في انخفاض تضخم السلع الغذائية من ذروته التي بلغت 73.6٪ في سبتمبر 2023 إلى 31.9٪، في يونيو 2024 وعليه، يشير تراجع تضخم السلع الغذائية بجانب تحسن توقعات التضخم إلى استمرار معدل التضخم في مساره النزولي.
وتوقع المركزي أن ينخفض التضخم بشكل ملحوظ خلال النصف الأول من 2025 نتيجة لكل من التأثير التراكمي للتقييد النقدي، والأثر الإيجابي لفترة الأساس. ومع ذلك، حذر المركزي من أنه لا تزال هناك مخاطر صعودية تحيط بالمسار النزولي المتوقع للتضخم، بما في ذلك تصاعد التوترات الجيوسياسية الحالية، والظروف المناخية غير المواتية على الصعيدين المحلي والعالمي، واحتمالية أن يكون لإجراءات ضبط المالية العامة تأثير يتجاوز التوقعات.
خارطة طريق للاقتصاد المصري
وضع الصندوق مسارًا للاقتصاد المصري بموجب المراجعة الثالثة وحتى موعد إكمال المراجعة الرابعة المحدد لها ديسمبر 2024 وفقًا للمحددات التالية:
** المزيد من العمل على اعتماد نظام سعر صرف مرن وتحرير نظام تبادل العملات الأجنبية لتجنب تراكم الاختلالات الخارجية.
** يتعين على البنك المركزي المصري اعتماد نهج قائم على البيانات لخفض التضخم وتوقعات التضخم مع تركيز البنك حاليًا على هدف التضخم المستهدف عند 7٪ (±2٪) فقط في الربع الرابع من العام الجاري.
** التركيز بشكل أكبر على تعزيز تعبئة الإيرادات المحلية واحتواء المخاطر المالية من قطاع الطاقة، وذلك من أجل التوسع في برامج الحماية الاجتماعية، خاصة في مجالي الصحة والتعليم. كما سيساعد ذلك في توفير بعض الحيز المالي لتوسيع الإنفاق الاجتماعي لدعم الفئات الضعيفة.
** بذل المزيد من الجهد في تنفيذ سياسة ملكية الدولة، التي أصدرتها الحكومة في ديسمبر 2022 والتي تحدد وجود الدولة في القطاعات الاقتصادية وتهدف إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة.
** تسريع برنامج الخصخصة، ومواصلة الإصلاحات لتبسيط اللوائح التجارية لإنشاء شركات جديدة، وتسريع ممارسات تسهيل التجارة، وخلق “ساحة عمل مستوية” تتجنب الممارسات التنافسية غير العادلة من جانب الشركات المملوكة للدولة.
** تعزيز استقرار القطاع المالي وتحسين ممارسات الحوكمة والمنافسة داخل القطاع المصرفي كأولوية ضمن الأولويات الرئيسية، حيث إنها ضرورية لتوجيه مصر نحو النمو الذي يقوده القطاع الخاص، والذي يمكن أن يخلق فرص عمل وفرصًا للجميع.
** يعد إعادة أسعار الطاقة، بما في ذلك أسعار الوقود بالتجزئة، إلى مستويات استرداد التكاليف بحلول ديسمبر 2025 أمرًا بالغ الأهمية لضمان الإمداد الموثوق بالطاقة للسكان وتقليل التفاوتات في هذا القطاع. وقد تم مؤخرًا بذل جهد في هذا الاتجاه، حيث تم خفض الدعم من الوقود بإعادة تسعيرة بنحو 10٪ – 15٪ الأسبوع الماضي.
حركت الحكومة المصرية أسعار المواد البترولية خلال يوليو للمرة الثانية خلال العام الجاري وللمرة 17 منذ بدء عمل لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية في 2019؛ مما يعكس توجه الحكومة لتقليص العجز الذي تتحمله الموازنة العامة بسبب فروق الأسعار وهو ما يعد عبئًا إضافيًا على الدولة.
خفض دعم المحروقات يتماشى مع ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي عشية تحريك الأسعار حول أن دعم المحروقات والمنتجات البترولية، سوف ينخفض تدريجيًا حتى نهاية ٢٠٢٥، حتى تصل إلى نقطة التوازن، وإن طول المدة يعكس رغبة من الحكومة في تقليل الأثر في المواطن التي قد تتضرر بشكل كبير إذا ما تم فرض الزيادة دفعة واحدة.
يذكر أن التسعير العادل للجنيه المصري في مارس كان سببًا رئيسيًا في ارتفاع تكلفة المحروقات على الدولة، لكن ذلك لا يعني أن الخفض كان يمكن تلافيه في ظل الانخفاض الحاد في الموارد الدولارية، والارتفاع الأسبوعي في أسعار كافة السلع والخدمات دون تقيد بسعر موحد للدولار، وانخفاض احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة؛ مما يؤثر بشكل كبير في قدرة الدولة على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وهو ما تجلى في أزمة الغاز والسولار اللازمين لتشغيل محطات الكهرباء والتي نجحت الحكومة في حلها بسبب الموارد الدولارية.
كما أن عملية التنمية الشاملة التي تلتزم بها الدولة في كافة القطاعات والمناطق الجغرافية تفرض أعباء لا يمكن إغفالها وتعد تكلفة أساسية لعملية التنمية، التي إن تم تأجيلها لكانت تكلفتها زادت ثلاثة أمثال على الأقل، ولعجزت الدولة عن إشعار المواطنين بأي تحسن ملحوظ في أي قطاع بسبب البطء الناجم عن الموارد الضئيلة المتاحة.