وضع انسانى كارثى يعيشه العالم بسبب الحروب والصراعات من ناحية، وقساوة المناخ وتغيراته من ناحية أخرى. وبين هذا وذاك، يبدو المدنيون العزل والبسطاء هم من يدفعون الثمن مرة بالقتل والتدمير، ومرات بالتهجير القسرى نحو المجهول. وقد سجل عدد النازحين قسرا رقما قياسيا جديدا تجاوز 114مليون شخص، حتى نهاية أبريل الماضى فى إفريقيا، الصراعات والحروب، بالإضافة الى المتغيرات، سواء كانت سياسية أو أمنية او مناخية، أدت إلى ارتفاع قياسى فى أعداد النازحين داخل وخارج بلدانهم، والذين بلغ عددهم أزيد من 45 مليون شخص. وفى أكبر نزوح جماعى فى العالم، أجبر 9 ملايين سودانى على ترك منازلهم ومواجهة مجاعة كارثية جراء القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، ليترك نساء وأطفال فى ظروف قاسية وسط شح فى الطعام ومياه الشرب النظيفة. بينما فر 3 ملايين آخرون إلى دول مجاورة، بما فى ذلك تشاد ومصر وجنوب السودان. وفى الشرق الأوسط، بعد مرور عام على الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التى تشهدها الأراضى الفلسطينية المحتلة، يواصل جيش الاحتلال انتهاكاته، فى غزة ولبنان فى تحد سافر لجميع الأعراف والقيم الدولية، وانتهاك صارخ للقانون الدولى، والقرارات الأممية. فى غزة، تسبب العدوان الإسرائيلى فى نزوح داخلى لأزيد من 1.8 مليون شخص يمثلون نحو 85% من سكان القطاع، اغلبهم اضطر للتنقل عدة مرات.
اما لبنان الذى يعد صاحب أكبر عدد من اللاجئين لكل فرد ولكل كيلومتر مربع فى العالم، باستضافته نازحين من سوريا منذ أكثر من عقد، بعد لاجئين فلسطينيين ومن جنسيات أخرى لعقود طويلة، تفاقمت فيه الأوضاع، لنشهد فى غضون أيام قليلة، النزوح الداخلى لأزيد من 600 ألف شخص. أغلب النازحين من لبنان غادروا منازلهم من دون معرفة مسبقة للوجهة او المستقبل. وقد تلقت ربع الأراضى اللبنانية أوامر بإخلاء منازلهم وبلداتهم بذريعة قربها من أسلحة أو مقارلحزب الله. امام هذا الوضع الكارثى، لا يزال العالم عاجزا عن إيقاف أسباب النزوح او توفير استجابات إنسانية مواتية له، رغم تداعياته الخطيرة. النزوح القسرى فى إفريقيا يزيد من مخاطر الهجرة غير الشرعية وبالتالى زيادة الضغط الاقتصادى والاجتماعى على دول العبور. اما نزوح الفلسطينيين فلن يؤدى سوى إلى مشكلة مستعصية أخرى، ويجعل إيجاد الحل لهذا الصراع الممتد لعقود أمرا مستحيلا. والنزوح فى لبنان يزيد من تعقيدات المشهد فى هذا البلد الذى يعانى ازمة اقتصادية خانقة منذ سنوات. لمواجهة هذه المآسى، التحرك الدولى الحقيقى يجب أن يقوم على مجموعة من الأدوات والآليات، فى مقدمتها العمل على وقف الحروب والصراعات ليس فقط فى السودان، الذى يعتبر نموذجا واضحا على تقاعس المجتمع الدولى بهذا الشأن، لكن فى مناطق أخرى فى إفريقيا، بالإضافة الى وقف العدوان على غزة ولبنان.
هناك ضرورة للإسراع فى تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة، وتقديم دعم تنموى متوسط وطويل الأجل لتحسين البنى التحتية للمجتمعات المستضيفة داخل وخارج السودان، وتلبية الاحتياجات الطارئة للنازحين داخليا فى لبنان، والموزعين على عدد كبير من مراكز الإيواء فى جميع مناطقه، وللوافدين من لبنان إلى سوريا وتكثيف مشاريع التعافى المبكر، لدعم العائدين السوريين وتأمين الخدمات الأساسية لهم. فضلا عن دعم المجتمعات المتضررة جراء السيول والفيضانات نتيجة التغير المناخى، بما فى ذلك السودان، واليمن، وليبيا.
هناك أيضا حاجة لعدم الخلط بين القضايا ذات الصلة بالهجرة واللاجئين، التى تخضع لأطر قانونية مختلفة، وأهمية التعامل مع الحلول المستدامة للاجئين بشكل أكثر توازنا لا يرجح كفة حلول على الأخرى، أو التركيز بشكل رئيسى على إدماج اللاجئين فى مجتمعاتهم المضيفة باعتبار ذلك مجرد حل مؤقت يقوم على الاستجابة الإنسانية العاجلة لاحتياجات طالبى اللجوء، دون المساواة فى التركيز على غيرها من الحلول المستدامة أو المكملة لأزمة اللاجئين، وعلى رأسها حل العودة الطوعية وإعادة التوطين فى دول ثالثة.
هناك حاجة أيضا وبشكل أساسى الى معالجة جميع التحديات أمام العودة الآمنة للاجئين، والتى تشكل الحل الرئيسى والمفضل، بما فى ذلك من خلال تعزيز التعاون عبر قطاعات العمل الإنسانى والتنمية والسلام والتركيز على التعامل مع الأسباب الجذرية للنزوح، بما فى ذلك الحروب والصراعات وتغير المناخ.
وكضرورة قصوى هناك حاجة لممارسة المجتمع الدولى الضغط اللازم على قوات الاحتلال للوفاء بالتزاماتها والضغط الفعلى فى اتجاه الوقف الفورى لإطلاق النار فى غزة ولبنان، والسماح العاجل بدخول المساعدات الإنسانية، ورفع الحصار الجائر.
العالم امام تحديات إنسانية كبيرة، وأعداد النازحين قسرا قد يرتفع بصورة أكبر فى حال لم يتم تبنى تعديلات سياسية عالمية واسعة، وضمنها إيجاد حل للظروف والأسباب التى تؤدى الى النزوح.