عادت قراءة مؤشر مديري المشتريات للقطاع غير النفطي في مصر للتحسن خلال شهر نوفمبر، مسجلة 49.2 نقطة، وهو ما يمثل زيادة عن 49 نقطة تم تسجيلها في أكتوبر. جاء هذا التحسن للشهر الثاني على التوالي بعد أن تجاوز المؤشر المستوى المحايد في سبتمبر؛ حيث سجل 50.4 نقطة في ذلك الشهر.
ماذا يعني مؤشر مديري المشتريات للقطاع غير النفطي؟
مؤشر مديري المشتريات للقطاع غير النفطي هو مؤشر يصدر عن مؤسسة ستاندرد آند بورز جلوبال، ويعكس ظروف التشغيل في القطاع غير النفطي في الاقتصادات. يتم حسابه بناءً على عدة عوامل رئيسية؛ تشمل الطلبات الجديدة، والإنتاج، والتوظيف، ومواعيد تسليم الموردين، ومخزون المشتريات. يعد هذا المؤشر من أهم الأدوات التي يستخدمها الاقتصاديون لتوجيه القرارات المستقبلية، إذ يوفر إشارات مهمة عن اتجاهات الاقتصاد على المدى القصير والطويل، خاصة فيما يتعلق بتوجه السياسات الاقتصادية بناءً على معطيات الطلب والإنتاج.
يُعتبر مؤشر مديري المشتريات أداة استراتيجية مهمة لفهم الاتجاهات الاقتصادية؛ حيث يساعد كل من رجال الأعمال وصناع القرار على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن السياسات الاقتصادية وتوجهات الأعمال المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، يسهم المؤشر في تحديد السياسات المتعلقة بسوق العمل والتوظيف، كما يعكس تأثير الضغوط التضخمية على الأعمال من خلال تتبع تكاليف الإنتاج والمواد؛ مما يساعد في تحديد التوجهات المستقبلية للسياسة النقدية.
تراجع التضخم
وفقًا للقراءة الأخيرة لتقرير مؤشر مديري المشتريات للقطاع غير النفطي في مصر، فقد تراجعت ضغوط التضخم في تكاليف مستلزمات الإنتاج خلال شهر نوفمبر، مسجلة أدنى مستوى لها في الأشهر الأربعة الأخيرة. وأرجع التقرير هذا التراجع إلى انخفاض معدل نمو الأجور، الذي سجل أبطأ وتيرة له خلال 16 شهرًا. رغم ذلك، ارتفعت أسعار المشتريات بشكل ملحوظ نتيجة لارتفاع قيمة الدولار الأمريكي.
وأشار التقرير إلى أن انخفاض ضغوط التكلفة أدى إلى تراجع التضخم في أسعار المنتجات؛ حيث ارتفعت أسعار المبيعات بشكل متواضع، وهو الارتفاع الأقل منذ أربعة أشهر.
وفي هذا السياق، بدأت وتيرة التضخم في مصر في التراجع خلال نوفمبر؛ حيث سجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر 0.5% مقابل 1.3% في نوفمبر من العام الماضي و1.1% في أكتوبر 2024. وعلى أساس سنوي، تراجع معدل التضخم العام للحضر إلى 25.5% في نوفمبر مقارنة بـ 26.5% في أكتوبر.
من جانب آخر، سجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين 0.4% في نوفمبر، مقابل 1% في نوفمبر 2023 و1.3% في أكتوبر 2024. وعلى أساس سنوي، تراجع معدل التضخم الأساسي إلى 23.7% في نوفمبر من 24.4% في أكتوبر 2024.
ما تعكسه بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر نوفمبر يشير إلى توجه الدولة نحو احتواء التضخم وتحقيق استقرار الأسعار في السوق المحلية. ومع ذلك، فإن استمرار المؤشر تحت المستوى المحايد يتطلب مواصلة الجهود في احتواء التضخم وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين؛ مما سينعكس إيجابيًا على النمو الاقتصادي في مصر.
وقد يتطلب هذا أيضًا استمرار سياسة التشديد النقدي التي يتبعها البنك المركزي المصري منذ أكثر من عامين ونصف. ومن المتوقع أن تقوم لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي بمراجعة أسعار الفائدة في آخر اجتماعاتها المقرر في 26 ديسمبر الجاري، مع إمكانية تخفيض طفيف في أسعار الفائدة خلال النصف الأول من العام المقبل، مع الحفاظ على سياسة التشديد النقدي بالوتيرة الحالية.
نمو قطاع التصنيع
كشف التقرير عن وجود مؤشرات لنمو قطاع التصنيع في مصر؛ حيث ارتفع الطلب على السلع، وإن كان بوتيرة بطيئة؛ مما أدى إلى زيادة الإنتاج وأسهم في تعويض الانخفاض المستمر في قطاعات الإنشاءات والجملة والتجزئة والخدمات.
تضع الحكومة المصرية قطاع الصناعة والتصنيع على رأس أولويات أجندتها خلال السنوات الثلاث المقبلة وحتى العام المالي 2026/2027. تستهدف الحكومة الوصول بمعدل نمو القطاع إلى 31.2% بالأسعار الجارية خلال العام المالي المذكور، بالتزامن مع مستهدف نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 5.5% وزيادة متوسط قيمة الصادرات المصرية إلى 130 مليار جنيه.
التركيز على القطاع الصناعي في الوقت الحالي، مع ما يتحمله الاقتصاد المصري من تبعات التوترات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، سيدعم النمو الاقتصادي لمصر من عدة جوانب. من أبرز هذه الجوانب خلق وظائف جديدة؛ مما يساعد على تخفيض معدلات البطالة، وزيادة تنافسية وجودة المنتجات المصرية، خاصة في الأسواق العالمية. كما يسهم توطين الصناعات المختلفة، خاصة تلك المتعلقة بالمنتجات المستوردة من الخارج، في معالجة عجز الميزان التجاري وتقليل الضغط على العملة الصعبة.
علاوة على ذلك، فإن نمو القطاع الصناعي سينعش الموازنة العامة للدولة؛ حيث سيكون القطاع قادرًا على الوفاء بالتزاماته الضريبية في مواعيدها دون تأخير. هذا يمكن أن يسهم في توجيه العوائد إلى الإنفاق العام، خاصة على مجالات الصحة والتعليم والخدمات، فضلًا عن دعم تنمية البنية التحتية.
مؤشرات مهمة
تضمن مؤشر مديري المشتريات لشهر نوفمبر عددًا من المؤشرات التي يجب الوقوف عندها والتعامل معها، والتي تشمل:
- انخفاض أعداد العمالة: شهد شهر نوفمبر انخفاضًا في أعداد العمالة بعد أربعة أشهر من التوسع بوتيرة هي الأسرع منذ فبراير. ويرتبط هذا الانخفاض بعدم قيام الشركات باستبدال الموظفين الذين تركوا وظائفهم طوعًا، بسبب انخفاض حجم المبيعات وتراجع الثقة في المستقبل. رغم ذلك، أشار التقرير إلى أن توقعات أصحاب الأعمال في القطاع غير النفطي كانت إيجابية بالنسبة للإنتاج في العام 2025.
- انخفاض مستويات الإنتاج: على الرغم من أن انخفاض مستويات الإنتاج كان بأبطأ وتيرة خلال الثلاثة أشهر الماضية، فإن ذلك ناتج عن تراجع مستويات الطلب.
- الفائض في المخزون وتقليص مشتريات مستلزمات الإنتاج: أسهم انخفاض الإنتاج في ظهور بعض الفائض في المخزون لدى الشركات؛ مما استتبعه مزيد من تقليص مشتريات مستلزمات الإنتاج. كما ساعد غياب الضغوط على الموردين في تقليص مدد التسليم لأول مرة منذ سنوات، وإن كان بشكل طفيف.
- ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج: رغم ارتفاع سعر الدولار الأمريكي وارتفاع تكاليف الإنتاج، فإن أسعار مستلزمات الإنتاج شهدت ارتفاعًا بأبطأ وتيرة منذ يوليو الماضي.
تظهر هذه المؤشرات مجموعة من التحديات التي قد تواجه القطاع غير النفطي في مصر، لكن أيضًا توضح بعض الجوانب الإيجابية مثل التفاؤل في التوقعات المستقبلية والقدرة على تحسين كفاءة سلاسل الإمداد.
قراءة إيجابية
في توضيح لقراءة مؤشر مديري المشتريات لشهر نوفمبر، قال ديفيد أوين، خبير اقتصادي أول في ستاندرد أند بورز إنتليجينس: إن الشهر شهد تباطؤًا في انخفاض الإنتاج والأعمال الجديدة في مختلف القطاعات غير المنتجة للنفط؛ مما يشير إلى اقتراب ظروف العمل من الاستقرار.
وأضاف أوين أن بعض الشركات شهدت زيادة في الطلبات؛ مما ساعد على تعويض ضعف الطلب في شركات أخرى، حيث شهد قطاع التصنيع نموًا ملحوظًا. ورغم ذلك، يعكس الركود في قطاعي الجملة والتجزئة أن البيانات تشير بشكل عام إلى تراجع في ظروف التشغيل. كما أوضح أن تراجع نشاط الشراء والتوظيف يعكس عدم توقع الشركات لمواجهة تحديات كبيرة في مستويات الطاقة الإنتاجية خلال الأشهر المقبلة.
وأشار أوين إلى أن الزيادة الأخيرة في قيمة الدولار الأمريكي قد أسهمت في زيادة الضغوط على أسعار المشتريات في نوفمبر. ورغم تراجع ضغوط الأجور، انخفضت معدلات التضخم في تكاليف مستلزمات الإنتاج وأسعار الإنتاج إلى أدنى مستوياتها منذ أربعة أشهر؛ مما يشير إلى احتمال انخفاض التضخم في أسعار المستهلكين خلال الأشهر القادمة.
الخلاصة
قراءة مؤشر مديري المشتريات لشهر نوفمبر، كأحدث قراءة للمؤشر، تشير إلى أن الاقتصاد المصري لا يزال بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد في تعزيز تفاؤل أصحاب الأعمال بشأن أداء الاقتصاد على المدى المتوسط والطويل. يتطلب هذا تحسين أداء المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، مثل نمو الناتج الإجمالي الحقيقي، التضخم، البطالة، ثقة المستهلك، مبيعات التجزئة، ودعم قطاع الإسكان، الذي يعد من أهم المؤشرات المؤثرة في النمو الاقتصادي من خلال المشروعات السكنية الجديدة.
قد يكون من المفيد في العام المقبل تقديم حزمة تحفيزية لأصحاب الأعمال، تشمل خفض معدلات الفائدة بشكل طفيف، مع تحديد سقف زمني لخفض معدلات الضرائب، بهدف دفع النشاط الاقتصادي. كما يجب إطلاق مبادرات جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص، مثل خلق وظائف جديدة وتوسيع دعم إنفاق المستهلكين عبر برامج الحماية الاجتماعية والحزم الاجتماعية لموظفي الدولة.
من جهة أخرى، من المتوقع أن تسهم الموجة الثانية من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي تنفذها مصر حاليًا، بتمويل من صندوق النقد الدولي في إطار اتفاق التسهيل الائتماني الممتد، بقيمة ٨ مليارات دولار حتى سبتمبر ٢٠٢٦، في تعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. تركز هذه الإصلاحات على تحسين مناخ الأعمال، دعم التنافسية، تمكين القطاع الخاص، تشجيع الابتكار، تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، تحسين الحوكمة، والقضاء على البيروقراطية، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الخدمات العامة.