تضاعَف عدد أعضاء مجموعة بريكس مع مطلع عام 2024، بانضمام 4 دول جديدة؛ هي مصر والإمارات وإيران وإثيوبيا، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية التي لم تحسم موقفها بعد من الانضمام لبريكس وذلك على الرغم من الإعلان في بداية العام عن انضمامها بشكل رسمي لمجموعة بريكس. وبينما تتباين الآراء حول مدى استفادة الأعضاء من توسيع المجموعة، قد يساعد انضمام الإمارات وإيران على توحيد الأهداف الاقتصادية للدول التي تسيطر في الوقت الحالي على حصة كبيرة من إمدادات النفط العالمية (بالإضافة إلى احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي والنفط الخام) من جهة، وأهم عملائها في آسيا من جهة أخرى، كما قد يؤدي إلى زيادة الاستثمار في التكرير والكيماويات والتسويق بين الدول الأعضاء. وعليه، يُعد بريكس عملاقًا اقتصاديًا وسياسيًا كاسحًا يعيد رسم خريطة العالم الاقتصادية والنفوذ والقوة لما يملكه من إمكانيات وموارد بلا حدود؛ حيث أصبحت دول البريكس محور اهتمام كبير، والدول تتسابق للانضمام إليها وآخرها تركيا وغيرها من مشارق العالم ومغاربها.
دول مجموعة بريكس تلعب دورًا مهمًا في صياغة مستقبل الطاقة العالمي، حيث تُعد اقتصادات دول المجموعة اقتصادات ناشئة كبرى ذات مزيج طاقة متنوع وتحديات تنموية.
بشكل عام، تتكون مجموعة بريكس حاليًا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وإيران ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة، مع تزايد اهتمام العديد من الدول بالانضمام إليها؛ مما يشير إلى تطلعاتها لتوسيع نفوذها عالميًا. تترأس روسيا حاليًا رئاسة ما يُشار إليه أحيانًا باسم بريكس+، بعد توسعها في بداية عام 2024. أصبحت اقتصادات دول بريكس مكملة لبعضها؛ حيث تسيطر على احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي والنفط الخام والمعادن، بالإضافة إلى التكنولوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية، وباتت المجموعة تمتلك بنكًا للتنمية وصندوق احتياطات نقدية مغريًا للدول النامية التي تحتاج مساعدات وقروضًا.
التعاون الأهم في مجال الطاقة
تتمتع دول بريكس بطاقة إنتاجية هائلة تشكل نصف الطاقة العالمية تقريبًا، وتغطي مجموعة واسعة من المصادر. ومع ذلك، فإن الاعتماد الكبير لكل دولة على مصدر طاقة محدد يحد من قدرتها على تحقيق الاستدامة، ويجب على هذه الدول العمل على تنويع مزيج الطاقة للاستفادة من إمكاناتها المتنوعة. إن المصدر الرئيسي في ست دول من مجموعة بريكس هو الوقود الأحفوري (بالأخص النفط الخام والغاز الطبيعي)؛ مما يؤكد أهمية التخلص التدريجي من مصادر الطاقة القائمة لتحقيق انتقال الطاقة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن السعودية والإمارات وإيران تستحوذ على حوالي 17% من إنتاج النفط في العالم، وتُعد الدول الثلاث المورد الرئيسي للخام متوسط الحموضة الذي تفضله مصافي التكرير في آسيا، إلا أن حصصها في السوق تلقى منافسة من التدفقات الروسية التي تباع بسعر أقل بكثير نتيجة آلية سقف السعر التي فرضتها مجموعة الدول السبع ضمن العقوبات على روسيا (تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية)؛ حيث تسيطر المجموعة ككل على حوالي 42% من إنتاج النفط العالمي، بالإضافة إلى حوالي 35% من الاستهلاك الإجمالي.
في أعقاب غزو أوكرانيا، فرضت مجموعة الدول السبع سقفًا لأسعار النفط الروسي بهدف تقليل العائدات الممولة للجهود الحربية. كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على توريد سلع وتقنيات إلى روسيا. أدت هذه العقوبات إلى تقارب بين دول مجموعة البريكس؛ مما أسهم في تعزيز روابطها كقوة معارضة للسياسة الغربية.
تسيطر الصين على الجزء الأكبر من طاقة دول البريكس، وتعتمد بشكل كبير على الفحم؛ مما يجعل هذه الدول مسئولة عن حوالي 70% من الإنتاج العالمي للفحم. هذا الاعتماد يمثل تحديًا لتحقيق أهداف المناخ ويضع ضغطًا على الصين لتنويع مصادر الطاقة. رغم أن النفط والغاز أقل أهمية مقارنة بالفحم، فإنهما يعتبران أساسيين في اقتصادات دول مثل روسيا وإيران والإمارات، التي تمتلك حصة كبيرة من الإنتاج العالمي لهذين المصدرين.
استكمالًا لما سبق، تعتبر البرازيل وإثيوبيا من الرواد في مجال الطاقة الكهرومائية؛ حيث تستفيدان من وفرة الأمطار والتضاريس الجبلية لتوليد كميات كبيرة من الكهرباء. وتُشكل الطاقة الكهرومائية حصة كبيرة من مزيج الطاقة في هذين البلدين؛ مما يجعلهما نموذجًا يحتذى به في مجال الطاقة المتجددة.
لا تزال مصادر الطاقة التقليدية، مثل الوقود الأحفوري والطاقة الكهرومائية، تشكل الجزء الأكبر من إنتاج دول البريكس، رغم وجود مصادر بديلة مثل الطاقة الحيوية والطاقة النووية التي لا تزال حصتها محدودة. تهيمن الصين والهند على مشاريع الفحم الجديدة؛ مما يجعل دول البريكس لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة الأحفورية. إذا تم تنفيذ جميع المشاريع الحالية، ستشهد المنطقة زيادة كبيرة في إنتاج الوقود الأحفوري؛ مما يعقد جهود الانتقال العالمي نحو الطاقة النظيفة ويؤثر في مستقبل الطاقة العالمية.
تظل إدارة سوق النفط تحت إشراف منظمة أوبك بلس، لكن مجموعة البريكس الموسعة قد تلعب دورًا أكبر في أسواق الطاقة على المدى الطويل. تسعى دول البريكس أيضًا لزيادة الاستثمارات في سلاسل توريد المعادن الاستراتيجية؛ حيث تستثمر المملكة العربية السعودية بشكل كبير في الليثيوم والمعادن الأخرى في البرازيل.
تمتلك مجموعة البريكس حوالي 72% من العناصر الأرضية النادرة و75% من المنجنيز و50% من الجرافيت و28% من النيكل و10% من النحاس في العالم؛ مما يعزز من دورها في قطاع الطاقة المتجددة عالميًا مقارنة بمجموعة السبع الكبار التي تمتلك احتياطيات أقل بنحو 30 مرة.
ملامح التعاون في الطاقة المتجددة بين دول بريكس
تشهد دول بريكس تحولًا طموحًا نحو الطاقة المتجددة؛ حيث تفوق مشاريع الرياح والطاقة الشمسية قيد التطوير ضعف مشاريع الوقود الأحفوري، هذا التحول يؤكد التزام هذه الدول بالانتقال إلى اقتصاد أكثر استدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. تُظهر دول بريكس اهتمامًا متزايدًا بالطاقة الشمسية الكهروضوئية؛ حيث تشكل هذه التقنية الجزء الأكبر من مشاريع الطاقة المتجددة قيد التطوير في المجموعة، كما هو موضح في الشكل التالي. وعلى الرغم من سيطرة الصين على حصة الأسد من هذه المشاريع، إلا أن دولًا أخرى مثل البرازيل ومصر تسهم بشكل كبير في هذا النمو؛ مما يشير إلى مستقبل واعد للطاقة الشمسية في المنطقة.
تعتبر طاقة الرياح من القوى الرئيسية في قطاع الطاقة المتجددة بدول البريكس، تليها الطاقة الشمسية، مع تركيز المشاريع في الصين والبرازيل. تواجه الطاقة الريحية تحديات تنظيمية، خاصة في الرياح البحرية.
تلعب الطاقة الكهرومائية دورًا مهمًا في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، بينما تسهم الصين والهند في استراتيجيات الطاقة الحيوية من خلال استغلال النفايات الزراعية. تسعى إثيوبيا لتطوير الطاقة الحرارية الأرضية، مع خطط لزيادة قدرتها الإنتاجية.
رغم استمرار الاستثمار في الوقود الأحفوري، فإن قدرة الطاقة المتجددة قيد الإنشاء تتجاوز ضعف قدرة الوقود الأحفوري؛ مما يشير إلى تحول نحو اقتصاد مستدام. تحتاج دول البريكس إلى تحقيق التوازن بين تطوير مشاريع الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري لضمان انتقال سلس إلى اقتصاد منخفض الكربون.
تؤكد الصين ريادتها في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث تمثل الطاقة النظيفة حوالي 50% من مزيج الطاقة. تشهد روسيا والإمارات تحولًا نحو مصادر الطاقة المتجددة، بينما تواصل إيران بناء محطات الطاقة التي تعمل بالغاز.
يُعتبر الهدف العالمي لزيادة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030 عنصرًا حاسمًا في جهود مكافحة تغير المناخ، ورغم تباين مستوى الدعم من دول البريكس، تشير الخطط الطموحة إلى التزام ضمني بتحقيق هذا الهدف.
وعليه، من أجل تحقيق الهدف العالمي الطموح، تحتاج دول العالم إلى مضاعفة جهودها، ودول مجموعة بريكس، بدورها، تلعب دورًا حاسمًا في هذا التحول؛ حيث يمكنها زيادة طاقتها المتجددة إلى ثلاثة أضعاف خلال هذه الفترة. لتحقيق ذلك، يجب على هذه الدول أن تسجل نموًا سنويًا بمعدل حوالي 16%، أي زيادة القدرات السنوية من حوالي 308 جيجاوات إلى حوالي 749 جيجاوات، كما هو موضح في الشكل التالي.
إن الزيادة القياسية في الطاقة الإنتاجية المتجددة في دول بريكس خلال عام 2023، والتي بلغت حوالي 331 جيجاوات، تتوافق مع الأهداف الطموحة التي وضعتها هذه الدول لزيادة الطاقة المتجددة في السنوات المقبلة. فإذا استمر هذا النمو بالوتيرة نفسها، فإن دول بريكس ستكون قادرة على تحقيق نسبة كبيرة من هدف زيادة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030.
اقتراح منصة بريكس النووية لتعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية
تُعتبر الصين القوة الدافعة الرئيسية لنمو الطاقة النووية عالميًا، حيث تمتلك حوالي 118 جيجاوات من الطاقة النووية قيد الإنشاء، وهو ما يتجاوز أي دولة أخرى. تشكل الصين والهند معًا نحو 82% من إجمالي مشاريع الطاقة النووية العالمية قيد التطوير؛ مما يدل على دورهما المحوري في مستقبل الطاقة النووية.
كما أعلنت شركات القطاع النووي في دول البريكس عن دعمها لإنشاء منصة تعاون جديدة للطاقة الذرية، والتي تم التباحث بشأنها خلال اجتماع في موسكو قبل القمة الأخيرة في قازان. تهدف هذه المنصة إلى تعزيز التعاون بين الشركات في دول البريكس+ في مجالات تطوير الطاقة النووية، تبادل أفضل الممارسات، وإعداد الكوادر البشرية.
بشكل عام، تهدف منصة الطاقة النووية إلى تبادل الخبرات ودعم تطوير التقنيات النووية بين دول مجموعة البريكس+. وأشار ألكسي ليخاتشوف، المدير العام لروسآتوم، إلى أن أعضاء منظمة البريكس يلعبون دورًا محوريًا في تطوير صناعة الطاقة النووية العالمية، داعيًا إلى تفعيل آليات التعاون المشترك من خلال هذه المنصة لتعزيز التكامل في هذا المجال.
بلغ إجمالي سعة الطاقة النووية المركبة على مستوى العالم ما يقرب من حوالي 400 جيجاوات وذلك في عام 2021، لتُمثل نحو حوالي 10% من قدرة توليد الكهرباء في العالم، مع توقعات استقرار السعة في العامين المقبلين، كما هو موضح في الشكل التالي.
وتبلغ الطاقة النووية التشغيلية حاليًا في دول أعضاء بريكس 390 جيجاوات، مع وجود حوالي 66 ميجاوات أخرى قيد الإنشاء، ومن بين أهداف المنصة مساعدة الشركات، إذا لزم الأمر، في إقناع حكوماتها برؤية الطاقة النووية كمصدر نظيف للطاقة، وكذلك مشاركة المساعدة في التعامل مع القضايا الأخرى التي قد تعرقل مشاريع الطاقة النووية. وعليه، إن هدف المنصة الرئيسي هو تطوير وتنفيذ أفضل الممارسات المتعلقة باستخدامات الطاقة وغير الطاقة للتقنيات النووية للأغراض السلمية في أسواق بريكس وبريكس+، وتطوير آليات الحوافز ونماذج تنفيذ المشاريع في الدول الأعضاء.
والجدير بالذكر أن أغلب الظن يتجه إلى أن روسيا تلعب دورًا حيويًا في سوق الغاز العالمي فقط، ولكن الحقيقة بإنها تؤثر أيضًا في سوق الطاقة النووية بل يمكننا القول إنها اللاعب الرئيسي في تلك الصناعة الاستراتيجية. حيث بلغ حجم الطلبات الخارجية لدى ذراع موسكو القوي روس أتوم الروسية بحوالي أكثر من 140 مليار دولار بين عامي 2010 و2021، وبصفة عامة نستطيع القول إن صناعة الطاقة النووية العالمية وأسواقها تقع في قبضة موسكو، كما موضح في الشكل التالي.
مجمل القول، يأتي اهتمام الدول بالانضمام إلى مجموعة بريكس في وقت تتنامى فيه الأزمات الاقتصادية التي تسببت في المزيد من المتاعب للحكومات في العديد من أنحاء العالم، كما يأتي في وقت يواجه العالم أزمة طاقة ومعادن متنامية. حيث تُشكل مجموعة بريكس تكتلًا مهمًا لتعزيز مفهوم أمن الطاقة، لما له من انعكاسات إيجابية عديدة على أمن الطاقة والمعادن، وذلك لأنه يجمع بين أصحاب الثروات التعدينية الكبيرة ومنتجي النفط الرئيسيين، فضلًا عن بعض مستهلكي الطاقة الأسرع نموًا. حيث سعت دول البريكس إلى خلق نظام طاقوي جديد قادر على تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة والمعادن الاستراتيجية، بما يعزز مفهوم أمن الطاقة.