نظم المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ندوة “افتراضية” عبر تقنية “زووم”، بعنوان: ” القضية الفلسطينية: أثار العدوان وأفاق المستقبل”، بالتعاون مع “المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية”، يوم الخميس الموافق 7 مارس 2024، على مدار ساعتين كاملتين، بين الساعة الخامسة مساءاً والساعة السابعة مساءاً.
أدار هذه الندوة، اللواء/ محمد إبراهيم الدويري – نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وشارك فيها من جانب المركز كل من اللواء/وائل الصفتي، عضو اللجنة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والدكتور جمال عبد الجواد، عضو اللجنة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بجانب حضور عدد من الخبراء، وهم الدكتورة هدى رؤوف، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والأستاذ محمد مرعي، مدير المرصد المصري والخبير بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وحضور عدد من الباحثين هم مريم صلاح ومحمد منصور ومحمد فوزي وشادي محسن.
شارك في هذه الندوة من الجانب الفلسطيني، اللواء/ محمد المصري، رئيس المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية، والدكتور عبد الرحمن التميمي، أستاذ الدراسات المستقبلية، والدكتور على الأعور، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، بجانب آخرين شاركوا بمداخلاتهم خلال هذه الندوة، وهم اللواء حابس الشاروف، مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، بلال قاسم، و عمر شعبان إسماعيل، مدير مؤسسة “بال ثينك”، والباحثة السياسية الدكتورة أماني القرم، والدكتور أسامة خالد، الباحث في وحدة دراسات التطرف والإرهاب، بمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي.
دعت الحاجة لتنظيم هذه الندوة، بعد أن وصلت نتائج العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حتى الآن، إلى مؤشرات خطيرة وتنذر بتفاقم الأزمة والتداعيات المحتملة، وهي على النحو التالي: دمرت إسرائيل 34 ألف هدفا في غزة، وقتلت ما يزيد عن 31 ألف شهيدا فلسطينيا يشملون كافة الفئات بما فيهم الأطفال الذي وصل عدد الوفيات بينهم إلى 11 ألف طفلا شهيدا، بينما تسببت موجات القصف الإسرائيلية لما يزيد عن 76 ألفا بين جريح ومصاب. ترك العدوان الإسرائيلي على غزة ما يزيد عن 10 ألاف مفقودا 70% منهم من الأطفال والنساء المحتمل سقوطهم تحت الأنقاض الثقيلة التي خلفتها عملية تدمير المباني السكنية، التي تقول أكثر التقديرات تفاؤلا أنها وصلت إلى 355 ألف مبنىً مدمرًا بالكامل.
القى اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في بداية هذه الندوة، كلمة افتتاحية قال فيها أن هذه الندوة بين المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والمركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية تأتي في مرحلة صعبة وغير مسبوقة تمر بها القضية الفلسطينية، جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، وما خلفته من دمار شامل بالقطاع. حيث يرتكز الحديث في الأيام الماضية على “اليوم التالي”، دونما إدراك أن نقطة الانطلاق لليوم التالي تبدأ من اللحظة الراهنة، والحقيقة أن كافة الأطراف لا تملك رؤية كاملة بخصوص ملف “اليوم التالي”، باستثناء الرؤية التي كان قد طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي رؤية مرفوضة بشكل واضح. وتمثل الأحداث الجارية وما يشهده قطاع غزة من حرب غاشمة إسرائيلية، وما تبع ذلك من التفاف الشعوب حول القضية الفلسطينية، فرص لإحياء مسار السلام الفلسطيني، ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ثم تناول اللواء الدويري في كلمته أبعاد الدور المصري في هذه الأزمة، مشيراً إلى أن الموقف المصري محكوم ببعض المحددات الرئيسية، وعلى رأسها:
1- أن القضية الفلسطينية قضية أمن قومي بالنسبة للدولة المصرية، وهي دائرة أولى للأمن القومي المصري.
2- تقع القضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة الخارجية للدولة المصرية وذلك منذ عقود.
3- مصر تحظى بعلاقات متميزة وحيوية ومتجددة بالسلطة الوطنية الفلسطينية ومع الرئيس محمود عباس، وتدعمها بشكل واضح وبكل قوة، وأيضاً تكاد تكون مصر الطرف الوحيد الذي يملك علاقات متميزة بكل الفصائل الفلسطينية.
4- اشتبكت الدولة المصرية مع كل القضايا الخاصة بالملف الفلسطيني، وعلى رأسها ملف المصالحة الفلسطينية، ولها إسهامات مضيئة في هذا الملف على غرار الإشراف على الانسحاب الإسرائيلي من غزة، والإشراف على صفقة جلعاد شاليط، ودورها الرئيسي في الوصول لتهدئة في كافة الحروب السابقة، ودورها في دعم إعادة إعمار غزة عقب الحرب الأخيرة في 2021، بـ 500 مليار دولار.
5- الموقف المصري من القضية الفلسطينية محكوم بمجموعة من الثوابت، وعلى رأسها ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ودعم جهود المصالحة الفلسطينية تحت مظلة السلطة الفلسطينية.
6- تؤمن مصر أن الأمن الإقليمي أو الأمن بالنسبة لإسرائيل لن يتحقق إلا بإنجاح مسار السلام العادل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
7- ملف القدس والمسجد الأقصى ووقف الانتهاكات الإسرائيلية بهما يعدان من المحددات الرئيسية بالنسبة لمصر تجاه القضية الفلسطينية.
ثم استفاض في شرح مراحل الدور المصري في الأزمة الحالية في قطاع غزة، والتي قسمها إلى ثلاث مراحل رئيسية:
أولاً- مرحلة تثبيت الموقف: وهي المرحلة التي أكدت فيها مصر على جملة من الثوابت الخاصة بها تجاه مسألة التصعيد، وعلى رأسها رفض أي عمليات عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، ورفض عمليات التدمير والقتل الممنهج الإسرائيلية، ورفض مساعي تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر أو أي دولة أخرى، والسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن بشكل واضح أن تهجير الشعب الفلسطيني لسيناء يمثل خطاً أحمر بالنسبة لمصر، وقد أكدت مصر منذ اللحظة الأولى على أن هذا التصعيد يضر بالأمن الإقليمي للمنطقة ككل، وليس فقط بالداخل الفلسطيني، والآن نشهد فعلياً ما حذرت منه مصر في بداية الحرب.
ثانياً- مرحلة التحركات العاجلة: وهي المرحلة التي تجسدت في الاتصالات المكثفة والعاجلة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي مع تصاعد وتيرة الحرب، مع كافة الأطراف سواءً الإقليمية والعربية أو الدولية، كذلك في إطار هذه المرحلة كان معبر رفح مفتوحاً على الدوام رغم القصف الإسرائيلي له في أكثر من مرة، وعلى الرغم من كافة العراقيل والقيود التي تحاول إسرائيل فرضها إلا أن مصر ظلت ملتزمة، بضمان دخول المساعدات لقطاع غزة، وضغطت في البداية عبر ورقة مزدوجي الجنسية، وصولاً إلى الإنزال الجوي للمساعدات على قطاع غزة، كذلك عقدت مصر مؤتمر القاهرة للسلام، وأكدت فيه بشكل واضح أن الأداة العسكرية لن تساهم في حل القضية الفلسطينية، وأكدت على وجوب وأولوية الحل السياسي، وفي ذات السياق عقدت مصر لقاءات مكثفة مع كافة الأطراف الرئيسية، كما حذرت من أي عملية عسكرية في رفح، وأكدت أن ذلك يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري، واتفاقية السلام، وعلى المستوى الإنساني لم تدخر مصر أي جهد، بدايةً من الضغط لإدخال المساعدات، مروراً إقامة الخيام ومراكز الإيواء، ووصولاً إلى عمليات إنزال المساعدات من الجو، كما شاركت مصر في إبداء الرأي والترافع أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، وقدم مرافعات تفند الادعاءات الإسرائيلية، وتؤكد على الحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني.
ثالثاً- مرحلة طرح الحلول: شاركت مصر بدور رئيسي في الهدنة الأولى في نوفمبر، وفي ديسمبر 2023، طرحت مصر لأول مرة رؤية متكاملة للخروج من الأزمة، وحتى أن كل المفاوضات التي تمت بعد ذلك تمت بناءً على هذه الرؤية وفي ضوئها، وقد اشتملت هذه الرؤية على عدد من المراحل، كل مرحلة فيها تتضمن هدنة إنسانية، وإدخال المساعدات لكل مناطق قطاع غزة، وتبادل المحتجزين والأسرى، وقد انطلقت مصر بهذه الرؤية إلى مراحل أخرى سواءً ما يتعلق بعرضها على أطراف الأزمة، أو الذهاب بها إلى الوسطاء.
تحدث بعد ذلك اللواء محمد المصري، رئيس المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية، الذي قال إنه من أجل التقييم العلمي، يجب العودة إلى ما قبل وما بعد معركة طوفان الأقصى، في 6 أكتوبر كانت الهجمات على المسجد الأقصى متصاعدة ومستمرة، وسياسات الحكومة اليمنية في تل أبيب الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني، والذين يمتلكون 64 مقعد داخل الكنيست. بالإضافة إلى ما سبق، الحرم الإبراهيمي ومنع الأذان فيه، والتعديات على كنيسة المهد، والإساءة للمسيحيين. فضلًا عن سياسات بن غفير الوزير الإسرائيلي الذي كان يذهب إلى السجون ويبحث في كيفية التنكيل بالأسرى الفلسطينيين، خاصة بعد أن تولى منصب وزير الأمن القومي، بالإضافة إلى سياسات سموتريتش الذي فوض بشكل ما بإدارته المدنية للضفة الغربية.
وأضاف أنه بالحديث عما هي الرؤية الفلسطينية للمشهد الحالي، يمكن القول بأنه بعد فترة طويلة تم التحرك على مستوى مجموعات مثل مجموعة الرياض مجموعة القاهرة مجموعة عمان، ولكن تشارك مصر والإمارات وقطر والأردن والسعودية في كافة تلك الاجتماعات، وتم تقديم ورقة لجميع تلك المجموعات وقد اعتمدت ما هو المطلوب الآن في الوقت الحالي. وتتضمن الورقة المعتمدة الأولويات هي وقف العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفك الحصار وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة والإبقاء على الوحدة الجغرافية لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وأخيرًا الاعتراف بدولة فلسطين.
وعما هو المطلوب فلسطينيًا اليوم، قال اللواء المصري، نحن بحاجة إلى حكومة ائتلافية تتكون من خبراء ومهنيين، يكون متوافق عليها، ولا أحد يقصى أحدًا فيها، ولكن ليس واجهتها فصائل سياسية، تعتمد في الجامعة العربية ويوافق عليها ويكون هناك دعم لها.
تحدث بعد ذلك من الجانب الفلسطيني، كل من الدكتور عبد الرحمن التميمي – أستاذ الدراسات المستقبلية، والدكتور علي الأعور، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، ومن الجانب المصري كل من الدكتور جمال عبد الجواد، عضو اللجنة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، واللواء وائل الصفتي، عضو اللجنة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بجانب مداخلات قصيرة من جانب كل من اللواء حابي شروف، مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، وبلال قاسم، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، وعمر شعبان إسماعيل، مدير مؤسسة “بال ثينك، والدكتور أسامة خالد، الباحث في وحدة دراسات التطرف والإرهاب، بمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، والباحثة السياسية الدكتورة أماني القرم، والأستاذ محمد مرعي، مدير المرصد المصري والخبير بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
وفي نهاية الندوة، أكد المجتمعون على ثوابت أساسية تتعلق بالقضية الفلسطينية، وهي:
- التأكيد على أن ما تم طرحه بخصوص جنوح الإسرائيليين نحو تيار اليمين، هو مؤشر خطر، ويشكل تحدياً كبيراً في المستقبل أمام مسار السلام، وعلى الرغم من أن مسألة السلام هي مسألة استراتيجية ورئيسية، إلا أن مسألة الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار حالياً لها الأولوية القصوى.
- الدولة المصرية تؤمن بالقضية الفلسطينية، كما أنها تمثل بالنسبة لنا مسألة أمن قومي، وبالتالي فالدولة المصرية تتابع عن كثب كل ما يحدث من تطورات.
- هناك مسؤولية علينا جميعاً خصوصاً الفلسطينيين على مستوى الدفع بحكومة جديدة ذات مهام محددة، تضع الأولويات الراهنة في اعتبارها، وتُحدث اختراقاً في الملفات الحيوية، ويجب علينا كعرب أن نقدم كافة أشكال الدعم لهذه الحكومة.
- منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ويجب أن يتم ضمان أن تكون الوحدة تحت لوائها على قاعدة الإيمان بأهدافها ورؤاها وآلياتها، بما يضمن عدم حدوث أي شرخ أو انقسامات.
- يوجد فرصة كبيرة فيما يحدث الآن خصوصاً مع التضامن الشعبي الكبير مع الفلسطينيين، من أجل إحياء القضية الفلسطينية، وطرح مسار السلام، لكن عامل الوقت يمثل نقطة رئيسية ومحورية.
- يجب أن يكون ملف إعادة الإعمار على رأس أولويات المرحلة المقبلة، مع دمجه بصيغ سياسية جديدة لكي يأخذ طابع الاستدامة.
- في إطار أولويات العمل في الفترات المقبلة، يجب أن يكون هناك رؤية واضحة ومسار محدد وفق آليات يتم الاتفاق عليها بخصوص مسار الحل السياسي، وقبل ذلك يجب أن يتم بناء التوافق الوطني.